الإثنين 2025/10/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نيوز بار
عناصر قصة الومضة.. قراءة في "زنزانة" و "بريد الإله" للقاص عبد الكريم السامر
عناصر قصة الومضة.. قراءة في "زنزانة" و "بريد الإله" للقاص عبد الكريم السامر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

 

  ان ولادة الابداع هو نتاج التجريب والحداثة، ولكي لا نبقى في دائرة الشكل السائد علينا ان نبحث عن وسيلة لتغيير نمطية الشكل، من خلال خطوات محسوبة بعناية، واسس تتوحد عليها أشكالنا الجديدة فنا او أدبا . القصة الومضة هي التفاتة حداثوية في نمطية السرد وأشكاله بما يتناسب مع وتيرة الذائقة وحاجتها الى حركة متسارعة مكثفة موجزة:

" رسم

عندما يكتبُ، يَرسمُه القلق."

تحيلك هذه القصة الى مفارقة الرسم الذي هو العنوان مع المقدمة ووجود الفارزة ثم الانعطافة بالمعنى نحو نهاية مغايرة، النهاية دائما في قصة الومضة هي الفارقة المهمة والمرتكز الثابت، كلما استطاعت ان تدهشنا سمت بتقنيتها وأدت وظيفتها. هنا تحول مفاجئ من الفاعل(يكتب) الى المفعول به(يرسمه).

 

 وقصة الومضة، وليدة محاولات التجديد التي تسعى للاقتضاب والتكثيف، متأثرين بمحاولات التجريب في الشعر العربي، وولادة الاشكال الشعرية المعاصرة ، مستعينين بالتجنيس الذي طغى على الاشكال الأدبية والفنية، فان قصة الومضة بدأت تتنامى باحثة عن استقلاليتها عن باقي الاجناس الأدبية على يد العديد من كتاب السرد البارعين، وتشكلت مواقع الكترونية خاصة بكتابتها مع وجود مسابقات وإصدارات ورقية سواء أكان ذلك كتبا مطبوعة او نشر في الصحف والمجلات، ووجود منظرين لها من النقاد او كتاب القصة ، كل هذا كان سببا في انتشار كتابتها وتاسيس معايير وضوابط لها، بعد ان شاع الخلط في مقومات وعناصر قصة الومضة مع القصة القصيرة جدا، وقصيدة الومضة وغيرها. وكا هو مفهوم من المصطلح اللغوي للومضة فانها تعني لغويا : البرقة او اللمحة الخاطفة، وهي تسمية بالغة الدقة لا الومض يأتي من تصادم او التقاء او تداخل سحابتين مختلفتين على مااظن في شحناتها فتولد اضاءة خاطفة ملفتة للنظر، لهذا فان تكون الجملة في القصة الومضة يعتمد على جزأين او مقطعين احدهما متمم للاخر لكنه صادم وهو اشبه بالفعل ورد الفعل او السبب والنتيجة كما هو شائع لدى النقاد..والومضة القصصية مشبعة بالدلالات ومؤطرة بالدهشة ومباغتة تشبه جدا ومضة السماء التي سميت لاجلها ، أي وجود تصادم يتحقق من خلال تلاقي مقطعين او كتلتين:

"خيانة

حينما لاحَ النصرُ، حَاصَرتُهم الخيانةُ."

"تمسُّك

غابَ عنها، تَمَسَّكت بظلِّهِ."

"مُومِس

تَرجّلتْ عن حُلمها، صَارتْ مومِساً."

"ترمُّل

في كأسِهِ الأخيرةِ، تَرَمَّلتْ آمالُهُ."

"تصدُّع

حِينَ لامَسُوا الوَطنَ، تَصَدَّع."

ذكرت كاترين سوستانا بان قصة الومضة لها " أسماء أُخرى منها القصة بالغة الصغرmicro fiction)  ) والأقصوصة والقصة القصيرة جداً short short) story ) والقصة متناهية القصر ( very short story) والقصة الفجائية (sudden story)  والقصة البريدية (postcard fiction ) والقصة متناهية الصغر (nano fiction)، مما يجعل من الصعوبة بمكان بلورة تعريف دقيق لقصة الومضة استناداً إلى عدد الكلمات."

 وان هذه القصة شأنها شأن أي جنس ادبي اخر له شروطه وخصائصه وسماته، اذ لابد من ان تكون القصة الومضة على قدر كبير في الايجاز مما يتطلب استخدام اقل عدد ممكن من الكلمات. وان تمتلك حبكة وتلك من ميزات السرد. نهاية صادمة او مغايرة للمتوقع .

"انتحار

فكَّرَ بالانتحار، قَتَلُوه."

"ذاكرة

حين استَعاد ذاكِرَتَهُ، نسيهم."

"عُكّازة

عُكّازة، كانَت شاهدةَ قبرهِ."

 قصة الومضة مفترق خطير عند التقاطع السردي. الان تعددت الاغصان المزهرة من شجرة السرد. القصة الومضة- القصة القصيرة جدا- قصة الجملة الواحدة-القصة المقتضبة- ومضة قصصية. التوقيعة - الومضة الشعرية التي لا يتقن حدودها عن الومضة القصصية الا الحاذق، حيث تتداخل في بنيتها الدلالية والشكلية، كل ذلك يشترك فيه، التكثيف والاختزال الشديد. أي إيصال فكرة متكاملة بداية ونهاية في اقل مايمكن من الكلمات، فكرة ساطعة مكثفة رشيقة ، اشبهها بالمراة متحررة على ساحل البحر، جمال ساطع باقل مايمكن من الثياب. تعتمد القصة الومضة على الدهشة والمباغتة، مع توظيف الكلمات التي تلد ايحاء فاعلا مشعا للافكار والدلالات، غالبا ماتعكس قضايا الانسان الأساسية في الحياة، تخلق انطباعا سريعا ومؤثرا لدى المتلقي من خلال النهاية المدروسة بعناية، وهذا لايمنع من توظيف الشعرية لغرض التكثيف.

"زوايا

في الزوايا اللقيطـة، يسـكن الغُزاة."

"مُساواة

على دكّـة الموتـى، تتساوى الأمنيات."

"موت

 في لحظـة الموت، لمحتَهم واقفين."

"صورة

أغمض عينيه، اتّضحت الصورة. "

"حقيقة

رفع نظارتيـه بانت الحقيقـة. "

 القاص عبد الكريم السامر استطاع  ان يجد في أدب التوقيعات فسحة مناسبة لغراسه الجميل، متمكنا من صعوباتها حذرا من اختلاطها بالاجناس السردية او الشعرية الأخرى، وهو يحاول ان يديم غراسه هذا بالسقي الجاد، وتشذيبه لمواصلة النماء، فهو حريص على رسم نهاية صادمة، او ومض الكلمات، رغم صعوبة الحبكة ويحتاج الى تركيز كبير وبلاغة للاختصار وشعرية للتكثيف، ولغة جزلة، ليقدم لنا أدبا ممتعا يقع ضمن السهل الممتنع.

المشـاهدات 74   تاريخ الإضافـة 13/10/2025   رقم المحتوى 67267
أضف تقييـم