
![]() |
خبايا الزمن |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : كانا كعصفورين متحابين يعشقان بعضهما الاخر رغم ان كل واحد منهما من سرب لايمت بصلة الى رحم الاخر. ومن قرية بعيدة تفصلها عن الاخرى جزيرة بكر لم يطأها انسي من زمن سلالة اور او من عهد سومر والوركاء..لكن الحب الذي جمعهما خرق كل الصلات والالتقاءات وتجاوز كل انواع الخطوط الممنوعة والمسموحة .وصار كجواز سفر وفيزة دخول يسمح لحامله النفوذ والتجوال في الاماكن الاخرى التي يرغب في الوصول اليها كانا يلتقيان بالصدفة وخاصة في مواسم زيارات احد اضرحة الاولياء القريب منهم - ولان حبهما ناصع البياض كالثلج تعرفت العائلتين على بعضهما في موسم الزيارة التالية وتوطدت العلاقة في ما بينهم وزار بعضهما الاخر. من دون ان تعرف عائلة البنت بالعلاقة الشفيفة مع ابن تلك العائلة التي دخلت قلوبهم من دون استئذان كان (جودة ) شابا مجاهدا يعمل فلاحا في ارضه -ذكيا يجيد اكثر من مهنة لذلك كان محط اعجاب واحترام الاخرين من اقرباءه الذين ضلوا بحاجة الى وقفاته المشرفة في قضاء حوائجهم ومن غير منية وبالرغم من ان امه لم تنجب سواه لكنه كان يعادل عشرة شباب من اقرانه فما اعطاه الله من قوة وذكاء مكنته من ان يفعل ما لايفعله الاخرون. فما يحصل عليه في كل موسم كان يساوي ما تنتجه عائلة من عشرة افراد من اقربائه .مرت المواسم تترى وكانت حبلى بالخير الوفير فالانهر الكبيرة والجداول الفرعية ممتلئة بالماء الغزير - والارض خضراء طيلة العام وبيادر القمح تعانق السماء - ففي فترة الخمسينات كانت المياه متوفرة وغزيرة في كل الفصول وكثيرا ماتغضب الانهر وتفيض مخلفة ورائها الكوارث والمصائب .. في صباح من صباحات الربيع المبللة بالندى استدعى الابوان ابنهم جودة وطرحا عليه فكرة الزواج فوافق على الفور ليحقق امنية والديه التي ضلت معلقة مدة سنين وبعد يومين اثنين توجهت عائلته ونفر من محبيه صوب قرية العروسة راكبين الخيل والحمير - بموكبين احدهم للرجال والاخر للنساء مجتازين الجزيرة الفاصلة بين القريتين وهم يرددون (الهوسات) والنساء يرددن (الكولات) وبعض الاغاني الشعبية عند زاوجهما عاشت العائلة الجديدة اجمل ايامها. ففوز الانسان بمن يحب يعد انتصارا كبيرا.. وتحقيق حلم طال انتظاره - فلم يمضي على زواجهما اكثر من شهرين حتى ظهرت على الزوجة علامات الحمل ففرح زوجها بالخبر كثيرا. وكاد يطير من السعادة..وراح يفكر الاثنان ببناء غرفة جديدة لابنهما الضيف وضرورة ايجاد الحياة السعيدة الهانئة الخالية من المنغصات له .لكن الاثنان لايعلمان ما يخبأ لهما الزمن تحت جناحيه من مصائب لايعرف كنهها وما تضم لهما الايام تحت عبائتها السوداء المكفهرة من مفاجئات وبعد عودة الاثنان من مزرعتهما وقبل الوصول الى سياج الدار المحصن بالطين والشوك والعاقول سمع الاثنان صياح عائلتيهما عاليا من دون ان يعرفا سببا لذلك الخصام الذي اكتنفه الغموض وانتهى بأخذ العائلة لابنتهم قسرا واركبتها امها خلفها على ظهر فرسها وعادوا الثلاثة مسرعين الى القرية تاركين خلفهم قلبا منكسرا وحلما محطما لم يكمل ربيعه الاول فتهاوى عرشه الذي بني بالحب والصبر كقصر منيف شيد من الرمل فتناثرت اجزاءه بفعل الريح العاتية مضت الايام ثقيلة على الزوجين اللذين احبا بعضهما الاخر واوصدت ابواب الراحة بوجهيهما بعد ان غال الحزن بقلبيهما بعد ان تعاهدا ان يستنشقان الاوكسجين من شريان واحد ولكن ماحدث لهما كان بمثابة صدمة عنيفة عطلت سير الدم في الشرايين واتلفت اجزاءا حيوية من خريطة جسمهما التي كانت تعمل بصورة طبيعية فاصفرت الورود الحمر وتيبست الاوراق الخضر ودب الموت سريعا في اجزاء تلك الشجرة التي كانت تحلم يوما بالعطاء الثر والربيع الدائم لقد مرت تسعة اشهر على فراقهما القسري من دون ان يرى احدهما الاخر .احست الزوجة باوجاع شديدة في بطنها وعندما استدعت امها القابلة الماذونة القريبة من بيتهم - اخبرتها انها على وشك الولادة وبعد محاولات عديدة لاخراج ذلك المولود من بطنها شاءالله ان يخرج سالما مقابل موت امه بيومين والتي اصيبت بحمى النفاس في تلك الاثنان كان جودة يمر بوعكة صحية قاسية نتيجة العذابات التي تعرض لها والهموم التي منعته من النوم - اسقطته بالقاضية وبعد ان زاره الحكيم في بيته طمأنه بانه سيكون بخير قريبا.. لكن صراخ اهله وابناء عمومته صباحا - ناقوس دق في الارجاء بقوة معلنا وفاته حمل اهل البنت جنازة ابنتهم على ظهر حصان والدها لعدم وجود طريق سالك يوصلهم الى كراج المدينة وساروا في اجواء ملبدة بالحزن وراح الموكب يشق طريقه ببطأ صوب ارض الجزيرة التي تنتهي حدودها بمدينة قلعة سكر . بينما حمل اهل جودة ابنهم الى مثواه الاخير وهم يتباكون حزنا على فراقه الاليم متوجهين الى الجزيرة التي تاخذ بايديهم الى كراج المدينة وبعد ان سار الموكبان ساعات وسط ارض الجزيرة واذا بالطرفين يتقاطعان في نقطة واحدة خطها لهما القدر دون ان يعرفا . ويلتقيا عند احدى القناطر التي بنيت ليعبر عليها العابرون حيث حدود المدينة حينها تعرف احدهم على الاخر وسأل ابن عم جودة عن المتوفي عندهم اجاب والد البنت انها فلانة زوجه جودة وسأل والد البنت عما تحمل جنازتهم فاخبرهم ابن عم المتوفي انها تعود لجودة فضج من حضر في نوبة بكاء عظيمة فسارت جنازتي الحبيبين في صف واحد وهما يبكيان بصمت لا احد يسمع نحيبهما سوى الملائكة. تاركين خلفهما طفلا يتيم الابوين لكنه كان نسخة من ابيه اسموه طاهر اثبت لنفسه وللاخرين انه سيعيش حياته ليكمل مسيرة والده حاملا صفاته الوراثية في الطيبة والمروءة والقلب الابيض وقد كان خير خلف لخير سلف. |
المشـاهدات 31 تاريخ الإضافـة 15/10/2025 رقم المحتوى 67359 |