النـص :
بغداد ـ الدستور
يلفّ الغموض مستقبل الاتفاقية الإطارية الجديدة بين العراق وتركيا بشأن إدارة الموارد المائية المشتركة، وسط شكوك متزايدة في بغداد حول مدى التزام أنقرة بتنفيذها، في ظل تاريخ طويل من الوعود غير المنجزة.وتؤكد وزارة الموارد المائية العراقية أن الاتفاقية، التي أُبرمت مؤخرًا، تتضمن 6 مشاريع استراتيجية لحصاد المياه واستصلاح الأراضي، وإنشاء سدود صغيرة لتجميع مياه الأمطار والسيول، وتطوير شبكات الري، وبرامج لتدريب الكوادر العراقية على إدارة الموارد باستخدام التقنيات الحديثة.في المقابل، يحذر مختصون في شؤون المياه من أن الاتفاق لا يحمل ضمانات واضحة تلزم تركيا بزيادة حصص العراق المائية، وأن التجارب السابقة أثبتت أن الوعود التركية غالبًا ما تصطدم بالاعتبارات السياسية والأمنية والاقتصادية المعقدة بين البلدين.وتشير البيانات العراقية إلى أن هذا العام هو الأكثر جفافًا منذ عام 1933، وأن مخزون المياه في السدود لا يتجاوز 8% من طاقته التخزينية، فيما انخفضت الإيرادات إلى 27% مقارنة بالعام الماضي.بدوره، أوضح الباحث في شؤون المياه، مخلد عبدالله، أن "الاتفاقية الإطارية الأخيرة تُعد خطوة على الورق أكثر منها على الأرض، لأن الحكومة التركية لم تقدم حتى الآن أي التزام فني أو جدول زمني محدد لزيادة الإطلاقات المائية".وأضاف أن "المشاريع الستة المعلنة، رغم أهميتها في مجالات حصاد المياه والاستصلاح الزراعي، تبقى غير كافية لمعالجة أزمة متراكمة منذ عقود، ما لم تترافق مع اتفاق ملزم يحدد حصص العراق المائية بوضوح ويمنع خرقها مستقبلاً".وتشير بيانات لجنة الزراعة والمياه في مجلس النواب إلى أن السدود التركية تحتجز أكثر من 90 مليار متر مكعب من مياه نهري دجلة والفرات، وهو ما انعكس على انخفاض الإطلاقات إلى مستويات خطيرة، إذ لم تتجاوز كميات المياه الواصلة إلى محافظة البصرة 5 مليارات متر مكعب فقط، ما أدى إلى خروج العديد من محطات الإسالة عن الخدمة.وبينما تحاول الحكومة العراقية استثمار الاتفاقية الجديدة كإطار لتفعيل التعاون الفني مع تركيا، يعتقد مختصون أن أنقرة تستخدم المياه كورقة نفوذ سياسي واقتصادي، خصوصًا أن العراق يعتمد على تركيا تجارياً بشكل كبير، إذ تبلغ قيمة الواردات السنوية منها نحو 16 مليار دولار، مقابل صادرات عراقية لا تتجاوز المليار الواحد.وكشف مسؤول في وزارة الموارد المائية العراقية أن "الحكومة أعدت حزمة إجراءات بديلة في حال لم تلتزم تركيا بزيادة الإطلاقات المائية خلال الأسابيع المقبلة".وأوضح المسؤول أن "من بين هذه الإجراءات تقليص بعض الاستيرادات من المنتجات التركية، وتفعيل الاتفاقات الإقليمية مع إيران وسوريا لتعويض النقص المائي، إضافة إلى الإسراع بإنجاز مشروع تحلية المياه في البصرة ضمن مشاريع طارئة".وأضاف المسؤول، الذي طلب حجب اسمه ، أن "العراق يحتفظ بخيارات قانونية، من بينها اللجوء إلى التحكيم الدولي في حال استمرار أنقرة بتجاهل الالتزامات، لكن الحكومة ما زالت تفضّل الحلول الدبلوماسية لتجنّب أي تصعيد سياسي".وتؤكد وزارة الموارد المائية أن الزيارة الأخيرة للوفد العراقي إلى أنقرة "حققت تقدّمًا في الملفات الفنية"، وأن الحكومة وضعت الملف على "المسار السيادي الصحيح"، في إشارة إلى نقل المفاوضات إلى مستوى سياسي أعلى بإشراف مباشر من رئيس الوزراء محمد شياع السوداني.وبحسب تقديرات الأمم المتحدة، انخفضت حصة الفرد العراقي من المياه إلى أقل من 500 متر مكعب سنويًا، وهو ما يضع العراق ضمن تصنيف "الفقر المائي الحاد".ويخشى خبراء البيئة من أن استمرار هذا الوضع قد يؤدي إلى أزمات زراعية وغذائية متفاقمة، وهجرة قسرية من القرى إلى المدن، ما يهدد بتغييرات ديموغرافية واجتماعية واسعة.
|