السبت 2025/10/18 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 33.95 مئويـة
نيوز بار
التحليل السياسي في الإعلام بين الوعي وجاهزية الأحكام
التحليل السياسي في الإعلام بين الوعي وجاهزية الأحكام
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري
النـص :

لم يعد التحليل السياسي مجرد قراءة عابرة للأحداث أو تعليق سريع على نشرات الأخبار، بل تحول في العقود الأخيرة إلى أحد أهم أدوات الوعي الجماعي وصناعة الرأي العام ، فهو العلم الذي يسعى إلى تفكيك الظواهر السياسية وربطها بسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية، بما يسمح بفهم الأسباب والنتائج واستشراف المسارات المستقبلية. ومع تطور وسائل الإعلام واتساع الفضاء الاتصالي، باتت الحاجة ملحّة إلى محلل سياسي يمتلك أدوات المنهج والمعرفة، لا مجرد القدرة على الكلام أو الجدل. 

 

لقد بدأ التحليل السياسي يتبلور بوصفه ممارسة منهجية في الإعلام العالمي منذ منتصف القرن العشرين، حين أدركت المؤسسات الإعلامية الكبرى أن الخبر دون تفسير يفقد نصف قيمته ، وأن الجمهور لا يكتفي بما حدث بل يريد أن يعرف لماذا حدث؟ وكيف سيؤثر؟ وإلى أين تتجه الأمور؟ ومن هنا نشأت مدارس متنوعة في التحليل السياسي، منها التحليل الوصفي الذي يركز على عرض الوقائع وتبسيطها، والتحليل التفسيري الذي يسعى إلى كشف العوامل المحركة للأحداث، ثم التحليل الاستشرافي الذي يتجه نحو التنبؤ بالنتائج والاحتمالات استناداً إلى المعطيات الواقعية. 

 

غير أن هذه الأنماط لا تحقق وظيفتها إلا عندما تستند إلى أسس علمية واضحة تتمثل بالفهم العميق للواقع السياسي، ومعرفة دقيقة بتاريخ الصراعات والمصالح، وقدرة على قراءة النصوص والبيانات والخطابات قراءة نقديةوموضوعية . فالمحلل السياسي الحقيقي لا يردد ما يسمعه في الشارع أو ما يُبث عبر القنوات، بل ينتج معرفة جديدة تسهم في توجيه وعي الجمهور وتوسيع أفقه. أما حين يتحول التحليل إلى تكرار للشائعات أو تبرير للأخطاء أو دفاع أعمى عن طرف ضد آخر، فإنه يفقد قيمته الفكرية والأخلاقية، ويصبح أداة تضليل لا وسيلة معرفة وتنوير. 

 

ولكن للأسف، مانراه  اليوم عبر كثير من القنوات والمنصات الإعلامية، في العالم العربي والعراق خصوصا، باتت تخلط بين التحليل الموضوعي والخطاب الدعائي. إذ يُستضاف محللون يمثلون أحزابا أو تيارات محددة، فيتحول النقاش إلى منبر صراع لا فضاء  حوار جاد وتضيع الحقيقة بين الانفعالات والمصالح. ومع اتساع دائرة الإعلام الرقمي ومنصات التواصل، أصبح المشهد أكثر تشويشا، حيث تتكاثر التحليلات السطحية التي تملأ الفراغ وتروج لأجندات خفية تحت غطاء الرأي المستقل وحرية التعبير

 

إن التحليل السياسي، لكي يكون علماً حقيقيا لا مجرد انطباع، يحتاج إلى  امتلاك منهج تحليلي دقيق يقوم على ثلاثة أركان: 

 

هي المعرفة والإلمام بتاريخ الظواهر السياسية وبنيتها المؤسسية والاجتماعية. 

 

توفر المنهجية العلمية واستخدام أدوات البحث العلمي، كالمقارنة والتفسير والتحليل البنيوي والاستشراف. 

 

والمسؤولية الأخلاقية  حيث الالتزام بالحقيقة والابتعاد عن التوظيف الأيديولوجي أو الدفاع عن المصالح الذاتية. 

 

فبهذه المقومات فقط يمكن للتحليل السياسي أن يتحول إلى قوة فكرية فاعلة ، لا مجرد صوت عالٍ في الفضاء الإعلامي. وحين يتوازن الإعلام مع التحليل، يصبح الخطاب السياسي أداة لبناء المجتمع، لا لتفكيكه؛ ويغدو المحلل السياسي ضميراً معرفياً يرشد الجمهور، وليس بوقا لحزب  او جهة ما أو أداة للتضليل. 

 

إن الإعلام العراقي اليوم، في ظل التقنيات الاتصالية الحديثة، أمام فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار للتحليل السياسي الجاد القائم على العلم والمساءلة. فبقدر ما يمتلك المحلل من موضوعية ونزاهة، بقدر ما يستطيع أن يسهم في تشكيل رأي عام واع قادر على التمييز بين الحقيقة والدعاية، وبين المعلومة والتحريض . وذلك هو جوهر التحليل السياسي بوصفه علما ينير لا يُضلل، ويؤسس لفكر نقدي يسهم في نهضة المجتمع ويرسم أفق مستقبله.

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 18/10/2025   رقم المحتوى 67440
أضف تقييـم