الأربعاء 2025/10/22 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 29.95 مئويـة
نيوز بار
محكمة النزاهة على خط النار: بين نزاهة الانتخابات وشرعية السلطة
محكمة النزاهة على خط النار: بين نزاهة الانتخابات وشرعية السلطة
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب ناجي الغزي
النـص :

تبدو الشكوى التي أحالها الادعاء العام ضد رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى محكمة النزاهة، أكثر من مجرد نزاع قانوني بين الحكومة وبعض النواب؛ إنها اختبار حقيقي لجوهر الشرعية السياسية في العراق، ومفصل دقيق في علاقة الدولة بمفهوم السلطة والانتخابات والهيمنة الحزبية.من الناحية الشكلية، القضية تدور حول اتهامات باستغلال المنصب لأغراض انتخابية، عبر منح أراضٍ وتكريم موظفين وتوظيف أدوات الدولة في الترويج لائتلاف انتخابي يرأسه رئيس الوزراء نفسه. لكن في العمق، ما يجري ليس سوى انعكاس لصراع أوسع بين «منظومة الدولة» و«منظومة السلطة»، بين من يريد أن تكون مؤسسات الحكم محايدة في التنافس الانتخابي، وبين من يرى أن البقاء في الحكم لا يتحقق إلا بإعادة هندسة المشهد الانتخابي بما يضمن استمرارية النفوذ.لقد حاولت الرئاسات الأربع، في آب الماضي، أن تؤسس لتوازن أخلاقي وقانوني في الانتخابات المقبلة، من خلال وثيقة أُريد لها أن تكون بمثابة "ميثاق شرف سياسي" يقي العملية الانتخابية من التوظيف الحكومي. غير أن الأيام الأولى بعد توقيعها كشفت هشاشة الالتزام بها، حين بدأت الاتهامات تتساقط حول تدخلات مباشرة من رئيس الحكومة في بناء ائتلاف انتخابي مدعوم بالسلطة التنفيذية، ما اعتبره خصومه انتهاكاً صارخاً لمبدأ تكافؤ الفرص.المفارقة أن هذه الشكوى ليست مجرد تحرك من ستة نواب، بل هي رسالة إلى المؤسسة السياسية كلها: أن مفهوم "الدولة" في العراق لم يتحرر بعد من أسر "الحزب"، وأن الطريق إلى الانتخابات لا يُعبد فقط بالبرامج، بل يُفرش غالباً بشبكات الولاء والامتيازات. فحين يصبح القرار الإداري وسيلة انتخابية، يتحول الجهاز البيروقراطي إلى ماكينة حزبية، وتذوب الحدود بين الدولة والمنافسة.اللافت أيضاً أن الاتهامات طالت ملفات حساسة مثل تهديد قادة كتل سياسية وابتزاز مرشحين عبر الإعلام، وهي تهم، إن ثبتت، تمس جوهر النظام الديمقراطي نفسه، وتعيد فتح النقاش حول "الشرعية الأخلاقية" لأي سلطة تأتي عبر صناديق الاقتراع المشبوهة. فالديمقراطية لا تُقاس بعدد الصناديق، بل بنزاهة الطريق المؤدي إليها.التحقيق في هذه القضايا سيضع القضاء العراقي أمام امتحان صعب؛ فهل يملك الجرأة على مساءلة رأس السلطة التنفيذية، أم أن "التسوية السياسية" ستبتلع القانون كما ابتلعت من قبله عشرات الملفات؟ هنا يتحدد مستقبل النزاهة الانتخابية: إما أن تُكرّس العدالة قاعدة للمنافسة، أو يُعاد إنتاج دورة النفوذ بغطاء انتخابي جديد.إن العراق يقف اليوم أمام خيارين متناقضين: إما أن يستعيد الدولة بوصفها كياناً فوق الأحزاب، محكوماً بالدستور والقانون، أو يتركها تتحول إلى أداة انتخابية في يد السلطة.وفي الحالتين، سيكون مسار الشكوى ضد رئيس الوزراء علامة فارقة في التاريخ السياسي العراقي المعاصر، لأنها لا تتعلق بشخص السوداني وحده، بل بمستقبل النظام الديمقراطي نفسه، وبالسؤال الأعمق الذي يطارد العراق منذ 2003: هل يمكن بناء دولة دون أن تكون رهينة لطموح الحاكم؟

المشـاهدات 33   تاريخ الإضافـة 22/10/2025   رقم المحتوى 67552
أضف تقييـم