
![]() |
رحلتي إلى قلب التاريخ: المدرج الروماني |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : الأردن _ عدنان راشد القريشي
وسط جبالٍ سبعٍ تتعانق وتحتضن ذاكرة التاريخ، تمتد العاصمة الأردنية عمّان كلوحة فسيفسائية تجمع بين أصالة الماضي وحيوية الحاضر. هذه المدينة التي تمثل القلب النابض لـ المملكة الأردنية الهاشمية، تحتفظ بهدوئها رغم ضجيج التحولات، وتبقى شاهدة على تعاقب الحضارات منذ العصور القديمة، حين كانت تُعرف باسم "فيلادلفيا" أيام الإغريق والرومان، وحتى يومنا هذا كحاضرة عربية نابضة بالثقافة والتاريخ. وعلى أحد سفوح جبل الجوفة، وبإطلالة مهيبة نحو وسط العاصمة، يتربع المدرج الروماني كتحفة معمارية خالدة، يربط بين الحجارة الصامتة وروح الإنسان التي لا تنفك تبحث عن الجمال والمعنى. تاريخ من المجد والدهشة يُعد المدرج الروماني من أبرز المعالم الأثرية في الأردن، وأهم الشواهد على الوجود الروماني في المنطقة. يعود تاريخ بنائه إلى القرن الثاني الميلادي في عهد الإمبراطور أنطونيوس بيوس (138 – 161م)، حين كانت عمّان إحدى المدن المزدهرة ضمن حلف المدن العشر “الديكابوليس”. بُني المدرج ليستوعب أكثر من ستة آلاف متفرج، ويمتاز بتصميمه الفريد الذي يجمع بين الفن المعماري والدقة الهندسية، إذ شُيّد على منحدر طبيعي يواجه الشمال الشرقي لضمان تظليل المدرج طوال النهار، ما يعكس ذكاء الرومان في التعامل مع البيئة والمناخ. رمز للهوية الأردنية وذاكرة للأجيال لم يعد المدرج الروماني مجرّد أثرٍ من الماضي، بل تحول إلى رمزٍ ثقافيٍ وسياحيٍ عميق لدى الأردنيين. يحتضن فعاليات فنية ومهرجانات وطنية، ويُعد أحد أبرز الأماكن التي يقصدها الزائر لاكتشاف جذور الحضارة الأردنية المتنوعة. ومن يقف في منتصفه يشعر بأن الأصوات تتردّد في أرجائه وكأنها تحاكي حوارات الممثلين والشعراء الذين اعتلوا خشبته قبل ألفي عام. أسرار هندسية وخفايا لم تُكشف كلها ورغم مرور القرون، لا يزال المدرج يحتفظ ببعض أسراره التي تُثير فضول الباحثين. فالتصميم الصوتي فيه يُعدّ معجزة هندسية، إذ يستطيع المتحدث في وسط الساحة أن يُسمع صوته بوضوح حتى في الصفوف العليا دون أي وسيلة تضخيم. ويُعتقد أن الرومان اختاروا هذه الزاوية المعمارية المائلة بدقة مدروسة لتحقيق توازن بين الجمال والأداء الصوتي، وهو سر لم يتقنه حتى بعض المهندسين المعاصرين إلا بجهد كبير. أما عن الزخارف التي كانت تزين واجهاته، فقد اندثرت معظمها، لكن التنقيبات الأخيرة كشفت عن بقايا من نقوشٍ وأحجارٍ تشير إلى أن المدرج كان يحتضن احتفالاتٍ دينية ومناسباتٍ رسمية، إضافة إلى عروض المسرح والمصارعة والموسيقى مشاهد وأحداث خالدة شهد المدرج على مدار تاريخه أحداثًا متباينة؛ من العروض الرومانية القديمة إلى الاحتفالات الوطنية في العهد الحديث. وفي العقود الأخيرة، استعاد المدرج مكانته كمركزٍ ثقافيٍ نابضٍ بالحياة، يحتضن مهرجانات فنية وموسيقية مثل “مهرجان الأردن” و“أمسيات عمّان”، ليصبح جسرًا بين الماضي والحاضر. مدرجات أخرى ومعنى الخلود تحتفظ عمّان أيضًا بـ المدرج الصغير أو “الأوديون”، وهو مسرح روماني أصغر يقع بالقرب من المدرج الكبير، كان مخصصًا للعروض الموسيقية والنشاطات الخاصة بالنخبة. وبذلك، أراد الرومان أن يجعلوا من المدينة مركزًا للحياة الثقافية والفنية، تؤكد أن المسرح لم يكن للترفيه فحسب، بل كان منبرًا للفكر والحوار والتعبير. انطباعاتي الشخصية عن الزيارة حين وطأت قدماي أرض المدرج الروماني، شعرت وكأنني أدخل إلى صفحة حيّة من كتاب التاريخ. جلست على إحدى درجاته الحجرية التي نُحتت قبل قرون، وتأملت صمتها الذي يروي الكثير. كانت الشمس تميل نحو الغروب، وأشعتها تلامس جدران المدرج فتمنحه لونًا ذهبيًا يذكّر بعظمة الحضارات التي مرت من هنا. استمعت إلى صدى صوتي يتردد في الفضاء الواسع، فشعرت بعظمة الهندسة القديمة، ودهشت من عبقرية الرومان الذين صمموا هذا المكان بدقة فاقت زمانهم. في تلك اللحظة أدركت أن المدرج ليس مجرد أثرٍ أثري، بل ذاكرة نابضة لمدينة لا تنام، تواصل سرد حكايتها للأجيال دون أن تفقد سحرها. درجات هذا المسرح، وينصت جيدًا إلى ما تقوله الحجارة . |
المشـاهدات 13 تاريخ الإضافـة 22/10/2025 رقم المحتوى 67559 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |