الإثنين 2025/10/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 19.95 مئويـة
نيوز بار
منكم وفيكم.. قراءة قرآنية في معنى الانتخاب
منكم وفيكم.. قراءة قرآنية في معنى الانتخاب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سالم رحيم عبد الحسن
النـص :

 

 

 

الانتخابات هي المصداق الأشمل والأوسع لعملية التداول السلمي للسلطة في المفهوم المدني الحديث، وهي السبيل الحضاري الذي ترتضيه الأمم لتجديد شرعيتها السياسية واختيار من يتولى إدارة شؤونها. وفي زمن الغيبة الكبرى، حيث تغيب القيادة المعصومة المباشرة، تصبح الحاجة إلى نظامٍ يضمن للأمة شرعيةً معاصرة ضرورةً لا مفرّ منها. ولذا تبنت دول إسلامية عديدة هذا النظام، وفي مقدمتها الجمهورية الإسلامية في إيران، التي جعلت من الانتخاب أحد أعمدة حاكمية الأمة، وهو المفهوم الذي أسسه الشهيد الأول (قدس سره) وأرساه عملياً فقهاء الفكر السياسي الإسلامي المعاصرون باعتباره الطريق الأنسب بعد الاصطفاء الإلهي لاختيار الحكام بإرادة الأمة.هذه المقدمة تفتح الباب أمام سؤالٍ جوهري: لماذا ننتخب؟ ومن ننتخب؟ ووفق أية معايير؟هل ننتخب الأفراد أم المؤسسات؟ هل يكون الاختيار مبنياً على السمعة الشخصية، أم على البرنامج والنهج والمشروع الذي تتبناه الأحزاب والحركات؟شخصياً، أميل إلى التصويت للمشروع والمؤسسة لا للأشخاص، لأن المشروع هو البوصلة التي تُبقي العمل منضبطاً وموجهاً نحو الصالح العام، بينما الأفراد ـ مهما بلغت مكانتهم ـ يظلون عرضةً لأهوائهم ما لم يكن فوقهم رقيبٌ وحسيب يضبط المسار ويحاسب الانحراف. فإذا غلب الهوى على المنهج، فعلى الأمة السلام.وفي المفهوم القرآني، نجد أن عملية الاصطفاء لم تكن عشوائية، بل قائمة على شروطٍ ومقاييس دقيقة تهدف إلى إكمال الحجة على الأمة. يقول تعالى: «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» (آل عمران: 164).ويقول سبحانه في موضع آخر: «كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ» (البقرة: 151).ففي هاتين الآيتين تتجلى ثنائية "منكم وفيكم" كمعيارٍ قرآنيٍ للاصطفاء، ومعناها أن يكون المبعوث أو المختار من صلب الأمة، يعرف ظروفها، ويتفهم مشاكلها، ويعيش واقعها الاجتماعي والحضاري. فـ"منكم" تعني الانتماء إلى ذات النسيج الاجتماعي والفكري والثقافي، و"فيكم" تعني الحضور الفعلي والمعايشة اليومية لأحوال الناس.ولابد أن نفهم أن "منكم" لا تعني بالضرورة أن يكون المرشح من عشيرتكم أو منطقتكم أو لونكم، فالمعنى أوسع وأشمل من ذلك بكثير. إنها تعني أن يكون من هويتكم الفكرية والثقافية والاجتماعية، من بيئتكم المعنوية التي تشارككم الرؤية والهمّ والمصير. فليس القرب الجغرافي أو النسبي هو المعيار، بل القرب في الفكر والموقف والالتزام.وبالقياس إلى الانتخابات المعاصرة، فإن المرشح الحقيقي هو من ينتمي للأمة فكراً وروحاً، ويعيش قضاياها لا بصفته طارئاً أو متسلطاً من خارج منظومتها، بل ابن بيئتها الذي يعرفها عن قرب ويحمل همومها بصدق.ومن هنا، فإن التصويت لـ"منكم وفيكم" ليس شعاراً عاطفياً، بل موقف قرآني أصيل يقوم على وعيٍ اجتماعي وفقهي وسياسي، يربط بين الاختيار الإنساني والمعيار الإلهي في بناء الأمة وقيادتها.إن الأمة التي تختار وفق هذا الميزان، لن تُخدع بالشعارات ولا بالأسماء، لأنها ستنظر إلى جوهر المرشح: هل هو منها؟ هل هو فيها؟ هل يحمل مشروعها وآلامها وآمالها؟بهذا الفهم تتحول الانتخابات من مجرد موسمٍ سياسي إلى فعلٍ إيماني ووطني يعيد للأمة دورها في صناعة مستقبلها، ويجعل من "منكم وفيكم" قاعدةً قرآنية في الوعي الانتخابي الراشد.

المشـاهدات 25   تاريخ الإضافـة 26/10/2025   رقم المحتوى 67712
أضف تقييـم