الأربعاء 2025/10/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 16.95 مئويـة
نيوز بار
ثقافة الوعود… من أين بدأت؟
ثقافة الوعود… من أين بدأت؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب وليد الطائي
النـص :

 

 

 

يبدو أن ثقافة الوعود لم تعد حكراً على السياسيين كما يُروَّج، بل أصبحت جزءاً من سلوك اجتماعي يتوارثه المواطن قبل أن يتعلمه السياسي. هذه الحقيقة الصادمة تكشف لنا أن أزمة السياسة في العراق ليست مجرد أزمة أحزاب أو شخصيات، بل أزمة وعي جمعي، حيث تحوّل الكذب الانتخابي إلى عرفٍ اجتماعي يتبادله الطرفان: المرشح والناخب.في مواسم الانتخابات، نرى المواطن يتنقّل من مكتب انتخابي إلى آخر، يَعِد هذا المرشح صباحاً، ويجلس مساءً مع منافسه، ثم يستمر على هذا النمط وكأنّها لعبة توازن لا تُلزِم أحداً. هذه الممارسات لم تعد مقتصرة على العامة، بل تسللت إلى بعض النخب وشيوخ العشائر، الذين صاروا يدعون المرشحين إلى دواوينهم يومياً، ويوزعون الوعود يميناً ويساراً، وأحياناً يقسمون أمام الحضور بأنهم “داعمين ومؤيدين”، ثم يكررون المشهد ذاته في اليوم التالي مع مرشح آخر!إنها شرعنة اجتماعية للكذب، ومساهمة مباشرة في تزوير الإرادة الحقيقية للناخب. حين يعتاد المواطن على المجاملة الفارغة ويخشى قول الحقيقة خوفاً من “زعل” هذا الطرف أو ذاك، فهو في الواقع يشارك في إفساد العملية السياسية بيده. من هنا، يجب أن نعيد تعريف الصراحة السياسية بوصفها فضيلة لا تهمة.كيف نضبط مجلس النواب القادم، إذا كان الناخب نفسه لا يضبط موقفه؟كيف نطالب ببرلمان قوي وصادق، ونحن ننتج سلوكاً انتخابياً هشّاً يقوم على المجاملة والازدواجية؟العملية السياسية الناضجة تبدأ من وعي المواطن، لا من وعود الحزب.المواطن هو الذي يملك مفاتيح الإصلاح الحقيقي، لأن الحزب في النهاية انعكاس لطبيعة جمهوره. فإذا كان الجمهور متردداً، فسيكون السياسي مراوغاً، وإذا كان المواطن صادقاً في اختياره، فسيُنتج طبقة سياسية صادقة بدورها.إن بناء الدولة ليس مسؤولية السلطة وحدها، بل مسؤولية مشتركة بين المواطن وممثليه. الأحزاب لا تهبط من السماء، بل تنشأ من بيئة المجتمع، ومن طبيعة الناس وثقافتهم. لذلك فإن إصلاح السياسة يبدأ بإصلاح سلوك المواطن الانتخابي، وضبط ثقافة التعامل مع المرشح على أساس المبدأ لا المصلحة.وعندما يكذب السياسي على المواطن، يجب أن يُعاقَب انتخابياً، لا أن ننسجم معه بالكذب. لأن السكوت على الزيف مشاركة فيه، والمجاملة في الموقف الوطني خيانة ناعمة تتسلل باسم “الاحترام الاجتماعي”.إن العراق اليوم بحاجة إلى صدقٍ انتخابي قبل أي برنامج انتخابي، إلى ناخبٍ يواجه المرشح لا يُجاملُه، وإلى مجتمعٍ يربّي أبناءه على الصراحة لا على “التمويه الانتخابي”.فما لم نُصلِح سلوك المواطن، لن نُصلِح سلوك السياسي، ومجلس النواب القادم سيكون نسخةً مطابقةً لوعي الناس الذين انتخبوه.

المشـاهدات 31   تاريخ الإضافـة 28/10/2025   رقم المحتوى 67768
أضف تقييـم