| النـص :
يرهقني اولئك المتشدقين بالسجالات الجانبية والنقاشات غير المجدية مع اشخاص لايستحقون التعب الفكري والاجهاد العقلي، فالاعراض عن الجاهلين وانصاف المثقفين واصحاب الرؤية الواحدة، هو منهج رباني وخلق نبوي لايجيده الا اصحاب العقول الراقية التي تتمتع بحصانة ذاتية تمنعها من الانزلاق الى نقاشات جانبية لاتغني فكرا ولا تشبع علما. يقول الله تعالى : (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) الاعراف/99، أي تجنب مخاطبة سفهاء العقول واصحاب الرأي الواحد والمتأدلجين. وقد حذر الله نبيه الكريم من مخالطة جهلاء القوم والتزام الصمت اذا ما اساءو وتجاوزوا حدود الادب في النقاش، والرد عليهم بالقول الحسن او الاعراض عنهم، قال تعالى (وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا) الفرقان/63، اذا الخطاب النبوي يجب ان يكون موجها بشكل اساس لاصحاب العقول والالباب وعليّة القوم، فأولئك هم المؤثرون والقادرون على احداث التغيير. ان هذا لا يعني ان لايخاطب النبي ( صلى الله عليه وسلم ) كل الناس ويوجه دعوته اليهم جميعا، فالله ارسله رحمة للعالمين ، ولكن فلسفة الحوار ومواجهة الاخرين والاعراض عنهم يجب ان تكون محكومة بميزان الشرع والعقل والفراسة في قراءة شخصيات الاخرين، فإما سجال مفيد ونقاش مثمر واما اعراض وانكار. وقد قال بعض العلماء : الناس رجلان : فرجل محسن ، فخذ ما عفا لك من إحسانه ، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه . وإما مسيء ، فمره بالمعروف ، فإن تمادى على ضلاله ، واستعصى عليك ، واستمر في جهله ، فأعرض عنه ، فلعل ذلك أن يرد كيده. فلسفة المواجهة يجب ان تكون حاضرة اليوم في عقولنا في أي مناقشة فكرية او سجالات سياسية، فمجتمعنا لديه قطيعة معرفية مع ادب الحوار، والحاضر في عقولنا هو اما ان تكون معي ومع افكاري واما ان تكون ضدي وبالتالي فانت عدوي. يجب علينا ان نغير من نظرتنا حينما نواجه الاخرين وننغمس معهم في الحوارات المختلفة، واول شيء هو ان نعرف الشخوص الذين نحاورهم، فالتافهين والعنصريين والمروجين لافكار ضارة، والمشككين والمثبطين والانعزاليين والثرثارين، والمتشدقون والمتفيقهون كل اولئك يجب الابتعاد عنهم، فتجاهلهم يميت افكارهم ويصغر من قيمتهم فلاتعطي قيمة لمن لا قيمة له ولا تجعل تلك النقاشات تلهيك عن هدفك او وظيفتك الاساسية في الحياة فلا تقحم نفسك في نقاشات سياسية وفلسفية ودينية ليست من اختصاصك فكل منا ميسر لما خلق له. فالطبيب واستاذ الجامعة والمهندس والتاجر والضابط والطيار ورجل الدين وصاحب المطعم واصحاب الاشغال المهنية، ينبغي ان يركزا على تطوير مهاراته، ولا ينخرطوا في نقاشات تتجاوز حدود اختصاصاتهم، فالمنازلات في مجتمعنا كثيرة وما اسهل ان تدخل يوميا في مناقشات تافهة تأخذ من صحتك ووقتك فيجب ان نتعلم متى نصحح ومتى ننتقد ومتى ننسحب ومع من نتحاور. والمجتمع ملي بالظواهر السلبية ولكن هناك وقت واسلوب للنصيحة، فالنصيحة فضيلة ومهمة لتقويم السلوك الانساني ولكن لو كانت في غير محلها تصبح لها انعكاسات وتضر بالعلاقات الشخصية، وتعكس رغبة التعالي عند البعض، ماتقدم يمكن ان ينعكس على كل الظواهر والحالات الموجودة في مجتمعنا، فلا يعقل ان نبدي رأيا وننصح في كل الجوانب، فلا تكن ثرثارة في كل ناد تخطب، كما قال الامام عليه السلام. ومجتمعنا اليوم منشغل باستحقاق سياسي مهم الا وهو الانتخابات البرلمانية 2025-2029، والتي ستنعكس حتما في افراز واقع سياسي سيؤثر على استقرار العراق وامنه ومصالحه الداخلية والخارجية، وبالتالي يجب ان يكون الحوار الذي يدور بين المقاطعين والمشاركين ، يرتقي الى قدر المسؤولية والحرص على مستقبل العراق وامنه، فلا تكفير متبادل بين الفريقين، فلكل وجهة نظره التي تعكس وعيه ومستواه، واخيرا اقول: ليس كل صمت عجزاً، فربّ صمت أبلغ من حوار، وربّ إعراضٍ يحفظ كرامة الفكر ويصون هيبة العقل.
|