هلاوس حنان شاهين نقطة ضيّ
![]() |
| هلاوس حنان شاهين نقطة ضيّ |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
ناصر أبو عون لا يطوِّح أحدكم شبكة أفكاره في بحيرة حنان شاهين؛ فالسطح هاديء تتحاضن فيه قوارب الشِّعر، وتتراقص فوق مرآته الصافية بجعاتٌ تتأمّل مشهدَ الغروب، ويعزف الفلامنكو سيمفونية ألوانه تحت وهج الأصيل المتلأليء على صفحة الماء بأصابع يحركها الشغف، وهناك حيث تخطف نورسةٌ بمنقارها ترياق المعنى (Logo Therapy)؛ فلا يغرنّكم الحوارات الهامسة بين نجوم الأعالي وظلال القمر؛ فهناك في القاع أمواج من الأفكار المتلاطمة وتَنَانِينُ تقذف خيوطا من دُخَان في لُجّة الصمت. في هذه الساعة قطعتُ حبل أفكاري لأنصِتَ لحديثٍ صوفيّ مع الدكتورة هبة العطار لا يخلو من جدلٍ كاشفٍ شفيفٍ طَبْطَبَ على نزغاتِ شيطان الشعر بداخلي فأسْكَنَ وجدانَ الروح؛ وعلى إثْرِ هذه الطبطبة نزلتُ بحيرةَ حنان شاهين، أجدّف في قارب من الوعي النقديّ نحو (نقطة ضي) متأبطًا قصيدة (هلاوس)؛ لعلّي أطرد شياطين الشِّقاق بيني وبينها؛ فألقتني هذه (الحنان) على كومة من قشّ فبدلا من أن أكتشف الإجابات المُخبئة تحت طيّاتِ القوافي النائمة على حرير التفاعيل، والمَضْفورة في عُرَى الوسائد الحُبلَى بالحكايات وجدتُني أبحث عن إجابات لأسئلة وجودية تضجّ مضجعي وتقدُّ القلق من جبل هناءتي الذي لا تهزُّه ريحُ الأسئلة، ورياح العشق.. إلى أن قرأتُ:[من ضلع أعوج أنا/ وعشان كدا/ حسيت بروحي/ واخدة شكل المنحنى/ أول خطيئة في السما/ كانت أنا/ أول بطولة عشتها/ كانت بطولة آثمة/ ياربنا/ أنا حوا تشبه أي آدم/ أم كنت هامش في الحكاية المبهمة/ وكأني في سيناريو الوجود/ سنِّيدة للنجم الوحيد/ في المسرحية المهزلة/ يا ربنا أشكو إليك/ ما قد جناه الحزن/ في حق البنفسج/ من وشاية ظالمة/ ما أتلفت قطعانك الهوجاء/ من أعشاب روحي/ وأنا روحي كانت مؤمنة/ وحصان خيالي البك/ كان في الأصل أسرع/ من شعاع الضي/ قبل ما يصيبه العمى/ ومشيت أفتش/ في الحكايات القديمة/ وأزرع أناي/ في المتون/ تطرح ظنون/ تبدر طريقي أسئلة/ ودروب كتيرة مظلمة/ أدخل حكاية/ ألقاني هامش/ أنتهي منها/ لحكاية مؤلمة] في قصائد حنان شاهين تنام اللغة العربيّة البِكر المُنزّلة بوحيٍّ مُرْسَل في حِجْر البساطة، تهدهدها لهجة يومية على أرجوحة من غَمَام حُبلى بالانزياحات التي تترى وتراوغ القاريء في الفراغ/ البياض ما بين الفاصلة والقافية، ومسكونة بالمجازات التي تعطي ظهرها لكل ما هو فجّ ومباشر، ومازالت اللغة العربية الأم محتفظة بكبريائها تاجًا فوق رؤوس الكلمات، وأنّ اللهجة الدارجة تحت سِنّ قلم الشاعرة لم تنقص من جلالها شيءٌ، والفصحى بعنفوانها لم تفقد براءتها ول تفضّ بكارتها المشتهاة على لسان هذه الحنان التي تقود كتائب من شعراء يقفون شامخين يسندون ظهورهم لحائط لغة لا تميل، وينِزّ شهد الإيقاع من مداميك الحروف المرصوصة على حين شهقة من موسيقى، ويسّاقط رُطبُ الصور الشعرية المصنوعة على عين نخيل الكلمات فتطاول سماء الفصاحة، وتقبِّل هاماتها جنيّات البلاغة السابحة في فضاءات المعاني.. على نحو ما نقرأ في هذا المقطع من قصيدة (هلاوس)[في الليل وأنا وحدي والدنيا سكون / والشارع هس/ بتجيني هلاوس ووساوس/ ويصيني المسّ/ أفتح أبواب مقفولة/ ممنوع يدخلها الإنس/ وأشوف الجنة قصادي في كفة/ وأشوف النار في الكفة التانية / وعلامة استفهام في النص/ ومفيش إجابات/ وإن جات / بتكون محفوظة/ وأنا أصلا طول عمري بليدة/ في مواضيع الحف/ وبخاف من أي مدرس/ يطلب مني أحفظ صم / أتغم وأتعلم إني أغش/ من صاحبي القاعد جانبي/ اللي يغش / من صاحبه القاعد جانبه/ اللي بديهي برضه يغش/ وتدور الدايرة/ لحد ما توصل آخر واحد فينا/ بيحفظ صم/ لكني بأجيب الدرجة الأولى/ في علم المنطق/ والأحياء و النفس/ في الليل وأنا وحدي / والدنيا سكون / والشارع هس/ بابص برهبة في سقف الأوضة العتمة/ ويتهيألي إن الريح الباردة هبت فجأة وسحبت روحي لحتة بعيدة/ وأسمعها تنادي وتقول.... يا بليدة/ دوري جواكي على الإجابات]. وهذه (الحنان) صارت في سماء المحروسة أيقونة شعرية تستضيء وهجها من ثُريات الآباء الأوائل الذين حرثوا أرض وادي النيل إبداعًا يتجدد ولا يفنى (هِبَةً) من الله، ونثروا بذرة الشعر في تربتها الخصيب معجونة بطمي النِّيل الملوّن بسُمرة الإنسان المصريّ منذ مطلع شمس الحكمة وسجودها تحت أقدام نبيّ الله (إدريس) و دسّ في وجدان أحفاده ومنهم حنان شاهين إلى أن تقوم الساعة وصيّة رسم الشعر على الشفاه قبل أن يرسموها على جدران المعابد رموزًا نابضة بالحياة؛ فإذا ما أَنْصَتَ إلى تعبيراتِ المصريين على الأرصفة وفي الحارات، ومواقف انتظار السيارات وعلى المقاهي، وفي الأضرحة.. إلخ ستكتشف أن (كل كلامهم الدارج معجون بالبلاغة)، وستجد نفسك الأمّارة بالحُبّ (مُلِّئَتْ شِعْرًا)، وليس هذا غريبا على شعب خطّ أجدادُه الفراعين الأوائل على أوراق البردي أقدم قصيدة حب غزلية وصلتنا نقلا عن بردية "شستر بيتي الأولى"، في عصر الدولة الحديثة وتحديدًا في عهد (الأسرة 19)، وتتألف تلك القصيدة من سبعة مقاطع بعنوان: "العاشقة العذراء".. فتحية لحنان شاهين على كل هذا الجمال. ونظرًا لضيق المساحة المخصصة لي للكتابة والمسيّجة بعدد من الكلمات فأقول: كانت هذه إطلالة من شُرفة النقد كعملية تالية للإبداع الشعريّ الذي يأتي أولا وسبّاقًا ومتقدمّا على النقد وأنّى للنقد من كعبٍ عالٍ يطاول به الشعر العاميّ قبل الفصيح. |
| المشـاهدات 10 تاريخ الإضافـة 01/11/2025 رقم المحتوى 67869 |
توقيـت بغداد









