من رماد القرن إلى ملامح الدولة
![]() |
| من رماد القرن إلى ملامح الدولة |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب رياض الفرطوسي |
| النـص :
مئة عام من الدم والدموع، مئة عام من الانكسارات والانقلابات، مئة عام من الحروب والحصار، صنعت من العراق جسداً عظيماً مثقلاً بالجراح. منذ ولادته الحديثة عام 1921، لم يعرف هذا البلد الاستقرار الذي يليق بتاريخ أرضه، وكأن كل عهد جديد يبدأ على حافة جرفٍ لم يستقر بعد.
في هذا القرن الطويل، كانت الأنابيب تحمل النفط للعالم، فيما الأرض تحتها تضخ دماء العراقيين بلا توقف. كل جيلٍ يحاول أن يُعيد رسم ملامح الدولة، لكنه يجد نفسه أمام واقعٍ يرفض أن يتبدل. الملوك سقطوا، الانقلابات تعاقبت، الديكتاتوريات انهارت، والحروب أعادت تشكيل المجتمع مراراً، لكن الدولة لم تكتمل بعد.
ورغم كل هذا الإرث الدموي، هناك شعورٌ خفي بالتحول بدأ يتشكل في الأعماق. العراق اليوم يلتقط أنفاسه بين الخراب والفرصة، ويبدأ في اختبار معنى الإدارة والمسؤولية بعيداً عن الصراعات الشخصية والسياسية. لم يعد الحديث عن الإصلاح مجرد شعارات أو وعود انتخابية، بل بات يُقاس بالنتائج الصغيرة اليومية: طريق يعاد ترميمه، مدرسة تُفتح أبوابها لأول مرة منذ سنوات، مشروع صحي يعيد الحياة لقرية أو حيٍّ منكوب.
المواطن العراقي أصبح أكثر يقظة؛ يعرف من يملأ الكلام ومن يترك أثراً. أصبح يدرك أن التغيير لا يبدأ من القمة وحدها، بل من ضميرٍ جماعي يتحرك بصمت، من جهدٍ شخصي لا يحتاج إلى ضجيج. إن عراق اليوم ليس الدولة المثالية، لكنه الدولة التي تحاول أن تتعلم من أخطاء قرن كامل، الدولة التي بدأت تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، بين السلطة والمصلحة العامة.
العراق، بعد قرنٍ من الانكسارات، يقف على حافة عصرٍ جديد. لا يُصنع هذا العصر بمعجزة، بل بالعمل المستمر والصبر المرهق على التفاصيل الصغيرة. إنه فجر يتشكل تدريجياً، كخيط نورٍ يحاول أن يخترق الركام. وكل خطوة في هذا الطريق، مهما كانت بسيطة، هي ملامح جديدة لدولة طال انتظارها.
من رماد القرن، تبدأ ملامح الدولة في الظهور؛ دولة تتعلم أن تحمي أبنائها قبل أن تحمي مصالحها، أن تزرع الأمل في الأرض التي نزفت، وأن تمنح الحياة لمن أراد أن يعيش بكرامة. العراق لم يُخلق ليبقى أسيراً لجراحه، بل ليصنع من كل دمٍ فقده درباً إلى مستقبلٍ يستحقه. |
| المشـاهدات 27 تاريخ الإضافـة 10/11/2025 رقم المحتوى 68122 |
توقيـت بغداد









