ميتافيزيقا الأشياء اليومية
في ديوان "أنت لا تخصني وأنا لا أخصك"
للشاعر مؤمن سمير![]() |
| ميتافيزيقا الأشياء اليومية في ديوان "أنت لا تخصني وأنا لا أخصك" للشاعر مؤمن سمير |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : ناظم ناصر القريشي
مقدمة: عالَمٌ موازٍ في تفاصيل صغيرة ديوان مؤمن سمير "أنت لا تخصني وأنا لا أخصك"، دار "الأدهم"-مصر2024،ليس مجرد نصوص شعرية، بل هو عالَمٌ موازٍ تُعاد فيه صياغة الوجود من خلال أدق تفاصيله: بَابٌ يَئِنُّ، نافذةٌ تتنفَّس، ذاكرةٌ تتحوّل إلى كائنٍ طفيليّ. هنا لا يصف الشاعر الحياة بل يخلق بديلاً لها عبر "ميتافيزيقا الأشياء اليومية"، حيث يُسقط الأسئلة الوجودية الكبرى على التفاصيل العابرة التي نهملها في حياتنا اليومية. هذا الديوان هو استعاضة أنطولوجية (وجودية) عن واقعٍ مُعطَّب بالغياب والنسيان.
.1الأنطولوجيا اللامركزية: حين تتحوّل الأشياء إلى أرواحٍ واعية يسعى الديوان إلى تفكيك المركزية البشرية للوجود، لينتقل بالوعي من الذات الإنسانية إلى العالم المحيط بها. فالباب ليس خشباً ومفصلات، بل هو كائنٌ يختزن الزمن": البابُ شبحٌ يثقل النظرات، البابُ ريحٌ تخفف الكثافة". وهو ليس مجرد عنصر معماري، بل حارسٌ للعتبات بين العوالم: الواقع والحلم، الداخل والخارج، الحياة والموت. وتمتد هذه الروح إلى كل تفصيل: "الطُرقَة التي كانت تتضاءل كلما تضاءلنا رأيتها اليوم تعدو". فالمكان هنا كائن حي يتنفس بتنفسنا، يتضاءل حين نتضاءل ويتمدد حين نتمدد. حتى الكلب في القصيدة يخضع لهذا الانزياح الوجودي، من كائنٍ يُربط إلى استعارةٍ للإنسان المسحوق: "أنا كلب العالم الجديد... يربطوني على باب المخزن إذ ربما يفزع اللصوص، لكني أموت في كل مرة". هذه "الأنطولوجيا اللامركزية" هي جوهر رؤية الديوان: الوجود لا يقتصر على الإنسان، بل البيت بأكمله، بعناصره الصغيرة، يشكّل شبكة من الوجودات الواعية التي تشاركنا أفراحنا وأتراحنا.
2.الذات المتشظية: الذاكرة الطفيلية وأنداد بيسوا إذا كانت الأشياء تتحول إلى كائنات واعية، فإن الذات الإنسانية نفسها تتشظى إلى أنداد وأقنعة. الذاكرة هنا ليست أرشيفاً، بل كائن طفيلي يعيش فينا ويتغذى علينا: "أيقنتُ أنني أحب كونها حرة كالهواء، تستِّف ما يحلو لها فقط وهي تصفر بكل سعادة". إنها تمنحنا "حياة بديلة" لكن بثمن باهظ: استيلاؤها على حاضرنا وتشكيله على مقاس ماضٍ انتقائي. وهذا الاستيلاء يبدأ من الطفولة التي لا تظهر كبراءة، بل كلحظة تأسيس للجحيم": كنتُ ساعتها صغيراً والنار كانت صغيرة تكبر رويداً رويداً وتلسع أقدامنا". الذاكرة الطفولية لا تذكر، بل تعيد إنتاج الألم. لا عجب أن تتحول الذات إلى "متحف لأندادها"، كما في حوار الشاعر مع شبح بيسوا": أنا مملوء بأندادي وثقتي بنفسي تبدو زائدة... لكني أتوقُ إليَّ خفيفاً". الهوية هنا ليست جوهراً ثابتاً، بل نتاج تفاوض دائم بين الأقنعة التي نرتديها والأشباح التي تسكننا.
3.آليات الخلق: اللغة المتحركة والشفرة الإبداعية
اللغة المتحركة: الانزياح البيولوجي والديناميكي للكلمات في ديوان مؤمن سمير، تتحول اللغة من أداة توصيل إلى كائن حي، من خلال الآليات التالية:
الشفرة الإبداعية: النظام السري الحاكم لعالم الديوان الشفرة الإبداعية هي الدستور غير المرئي الذي ينظم حركة اللغة ويحكم علاقات العناصر الشعرية، ويتجلى في:
4.قراءات متعددة: فك الشفرة عبر الحواس القراءة التشكيلية (البصرية): النص كلوحة تشكيلية الديوان ليس مجموعة كلمات، بل هو معرض فني بصر:
القراءة الموسيقية: سيمفونية الصمت والكسر إيقاع الديوان هو موسيقى داخلية تعبر عن حالة الوجود المتشظي.
القراءة السينمائية: مونتاج الذاكرة والمشاهد المتقاطعة الديوان فيلم سينمائي مكتوب، يستخدم تقنيات المونتاج ببراعة.
خاتمة: استعاضة أنطولوجية يقدم مؤمن سمير في ديوانه ما يمكن تسميته "استعاضة أنطولوجية". ففي مواجهة واقع إنساني مُعطّب بالغياب والقهر والنسيان، لا يكتفي الشعر بالتعويض، بل يخلق عالماً موازياً مكتمل الأركان: ذاكرة طفيلية خلاقة، أشياء واعية، لغة حية، وجود متشظٍّ لكنه حقيقي. ومن هنا تأتي مفارقة العنوان: "أنت لا تخصني وأنا لا أخصك". فالعالم الذي يبنيه الشاعر يستقل عن صاحبه وقارئه، لكن هذا الاستقلال بالضبط هو ما يمنحنا تأشيرة دخول إليه. هو عالم لا يخص أحداً لأنه يخص الكل. الشعر هنا ليس ترفاً جمالياً، بل ضرورة وجودية للنجاة من برودة الواقع، وشهادة على أن الجمرة الخامدة لا تزال قادرة على الإحراق. |
| المشـاهدات 41 تاريخ الإضافـة 15/11/2025 رقم المحتوى 68307 |
أخبار مشـابهة جريدة الدستور ليوم الاحد 16/11/2025 للعدد 6329 |
![]() |
رابطة مصطفى جمال الدين الادبية بالبصرة تحتفي بالروائي الدكتور جابر خليفة جابر
|
![]() |
اليونيسف و دار ثقافة الأطفال تبحثان إطلاق برامج مشتركة لدعم الطفولة
|
![]() |
الشارقة للكتاب يحتضن نقشاً أثرياً يعود لألفي سنة قبل الميلاد
|
![]() |
لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين، والعراقي يرضى بأن يُلدغ في كل مرة!!
|
توقيـت بغداد








