قصة قصيرة
عندما تبوحُ العصافيرُ .![]() |
| قصة قصيرة عندما تبوحُ العصافيرُ . |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص : مؤيد عليوي جلس باكرا في حديقة بيته أحس مقعد جلوسه بثقل جسمه تثائب الكرسي الهزاز ومقعده كللاً ومللاً من ثقل جسمه وحتى حديقة منزله التي أمام عينيه كانت تملّ جلوسه هكذا، شحن فمه بسكارة حاول اشعالها وهو فاتح عينيه على وردة بدأت تغازل الصباح وخيوط الشمس الأولى وهي تتندى على أوراق الوردة ،رمى السكارة بقوة ونهض بثورة حركته التي جعلتْ الكرسي الهزاز تنطبق عليه كلمة الهزاز بصورة سريعة متكررة بينما تنفس المقعد في الكرسي الصعداء (الحمد الله ..، ياربِّ ما اثقله واثقل همه ؟! ) قالها ، فأجابه الكرسي معُبرا عن رغبة عناصره كلها من الخشب والحديد : (الحمد لله.. حصلتُ على حركة مريحة وسريعة ) ترك الرجل كرسيه الهزاز الفاخر من وجهة نظر زوجته، المقعد الجديد والخشب في نقاش حاد حول الحرية وأداء العمل مع شخص مثله، كان الجدل بينمها حول استمرارهم بالعمل عنده أو تحت جسمه السمين إذ شكا المقعد الجديد : - اني اتحمل ثقله المبالغ فيه أيام إجازته من الدوام فلا يحلو له الجلوس إلا على قلبي - إني أتحمل عبثه ويده تطفأ السكارة في يدي الخشبية التي تحت يده ، الله يساعد الموظفين الذين يعملون معه، الله يساعد الموطنين الذين يراجعون تلك الدائرة التي يعمل فيها . تركهما يدخلان في دوامة الآراء الحديثة حول ديمقراطية الإدارة وحرية العمل وكثرة الآراء المتباينة في علم الإدارة المعاصر ، لمّا كانا يستمعان لمِا يسمعه هو من (فيديوهات الموبايل) حول علم الإدارة المعاصر والحديث ، كما كانا يسمعان صوته وهو يضحك كثيرا على هذه المواضيع المتصلة بتقدم الإدارة مع تقدم علم الالكترونيات، تركهما في هذا النقاش ونهض بسرعة وخطواته تدل على صحة جيدة، يشبه طفل وجد لعبته التي أضاعها منذ زمن ليس ببعيد، كان مسرعاً اتجاه الوردة إذ خصنها الاخضر الريان ورائحتها تملء الحديقة تتعطر بها البلابل والعصافير وطيور الحبِّ التي في اقفاص تزاوجها ، منذ سنوات وقتذاك عندما جاء أحدهم بهذه الطيور هدية له بعد تسنمه منصبه الجديد ذاك ولم يغادره على الرغم من التغييرات الإدارية بعد الانتخابات السياسية الكثيرة ، وصل الى الوردة وهو يرى شجرتها لأول مرّة بهذا الاخضرار وهذا اللون الوردي المحمر الخدود على ورقاتها كأنه يتحسس عطرها لأول مرة ، نظر الى لونها الزهري الوردي لمسها بطريقة يدٍ لم تعتاد التعامل مع الازهار الرقيقة، كانت أصابعه الناعمة السمينة تنهش رائحة العطر قبل لسمها، مسكت أصابعه بقوة ذلك الغصن الطري وأوراقه الخضراء وأوراقها الوردية من فوقُ، كأنَّه يحاول إمساك عصفور يريد الطيران بسرعة ، كانت حركته السريعة تلك مزعجة للوردة فقالت ولم يسمعها : - أيها الهمجي ماذا تفعل أنا وردة ولستُ قطعة لحم فوق الرز ؟! لم يسمعها، قرّبها من أنفه فيما كان داخله يقول: ( الله ، على هذه الرائحة الطيبة الزكية )كانت يده تتراخ قليلا عنها وهو يستمتع بعطرها الذي ملء أنفه ونفسه لقد تغيّر مزاجه صار داخله يتنفس الحرية ، فتنفست الوردة الصعداء مع كلمتها ( الحمد لله) عندما أزال يده عنها وهي ومازالت متمسكة بغصنها الاخضر ، وقد رجع الى كرسيه الهزاز وهو يتغنى بالورد والأشجار والطيور من حوله، صار يسمع زقزقتها، فتح جهازه الخلوي واستمع الى أغنية عاطفية بصوت عال على غير المعتاد ، - عينوني حجي ؟! سألته زوجته ولم تكن نبرة صوتها بذلك الود، بل تحمل معانٍ من السخرية كوّنه إدارياً صارماً ولم يستمع للأغاني منذ زواجهما قبل خمسين سنة عندما كانوا خارج البلاد ، المرأة لم تكن تعلم ما فعله به عطر الوردة الفوّاح ، لم ينتبه لزوجته بل كان يذهب بعيدا في دورب الخيال مع تلك الأغنية التي إعادته إلى شبابه، أخرجه الى الواقع عطشه لدخان سكارته الوحيدة في ذلك النهار إذ كان يدخن سيكارة واحدة في النهار والأخرى في الليل ، التفتَ يبحث عن زناد القداحة ، ثم انحنى بصعوبة من جلسته في كرسيه الهزاز يبحث عن القداحة أسفل قدميه ، نظرتْ اليه زوجته وضحكت صارت وقفتها أمامه مباشرة ، نهض الرجلُ من مكانه وصوت الأغنية يعلو ب( أحب ثاتي ليه واعمل بحبك ايه.. ) - حبيبتي .. اطلق كلمته هذه وهو يبتسم في عينيه نظرة ذكريات زواجهما، أحست بمشاعره تواصلت معه بإحساسها مازالت شفتاها تبتسم بالفرح والحبور، غادر داخلُها السخرية منه صارت تستعد أن تقبّله بلهفة العاشق ، احتضنته بقوة كأنَّه عاد من سفرٍ طويل، وهما في عناق مشاعرهما كان السرور يتسلل الى كرسيه الهزاز الذي انتشى لأول مرة بمشاعر إنسانية أعدها المقعد الاسفنجي عيدا وطنيا للكرسي الهزاز ، منذ كان مقعداً لوكيل الوزارة، قبل بيعه في السوق وانتقاله الى حديقة الرجال السمين، كان المقعد يفكر بذاكرة قديمة (لقد بقيتْ في ذاكرتي مع بعض الكلمات عبارة (العيد الوطني) أو عيداً وطنياً ) فقرر بأريحية أن يشق غبار الصمت مع خشب الكرسي فوق يده اللامعة بلمعة الفضة تحت الشمس، انطلق المقعد يتكلم عن تلك المرحلة بعدما دلف الرجل وزجته الى داخل الدار مُبتعدينِ عن الحديقة والطيور والكرسي بخطوات هادئة يشعر أحدهم بوقع خطوة الآخر يعلم أن قلبه يخفق بحبه ،تاركين المقعد يتحدث عن نفسه : لقد كنتُ وقتها متعباً لكثرة جلوس وكيل الوزارة ، وليس فقط لطول جلوسه كأنه قضى سنواته واقفاً ، بل لكثرة كلامه واتصاله بالهاتف الخلوي ،كنتُ وقتها في بناية الوزارة عند طرف غرفته حيث الزاوية الخالية الا من الجدارين، الزاوية البعيدة عن الباب، يجلس عن قرب مني اكثر المراجعين أموالاً ومشاريعَ ، ووكيل الوزارة يجلس فوقي يتفق معهم على تسهيل إجراءات المقاولات مقابل مبالغ مالية كبيرة يضعها في حسابه الشخصي ،وهو يهز نفسه وجسمه فوق الكرسي الهزاز غير هذا الذي انتم جزء منه ، كان ذلك الكرسي الهزاز يناسب الأموال الكبيرة لا كما أنتم الخشب من نوع مختلف عن نوع يد الكرسي الفضي اللون والمطلي بعناية إلا أن الطلاء الجيد لم يغيب تأكل الحديد القديم . استفز المقعدُ خشبَ الكرسي مما بدا منه فسأله الأخير: - وانت كيف وصلت الى هنا - كانوا يغيرون أثاث غرف الوزارة كل سنة ولكن عند ...كل سنة ولكن عندما امُسك وكيل الوزارة مرتشيا.. فأخذني معه الى بيته وترك الكرسي الهزاز هناك لكي يُباع في الاسواق بعد تجديد اثاث غرف الوزارة ، وبعدها قام أحد أفراد حمايته بسرقتي الذي باعني في السوق فأنا لستُ معقدا اسفنجيا عاديا ،إنما أنا من الاسفنج الطبيعي ،ثم باعني رجل المحل الى صاحب هذه الدار ،اذ لم يميز رجل المحل أو لا يعرف أصلا معنى الإسفنج الطبيعي ولا يفرقه عن الإسفنج الصناعي. - وما لكَ تكثر من كلمة أنا .. أنا ؟! - لقد بقيتْ هذه الكلمة في ذاكرتي من كلمات وكيل الوزير وأفراد حمايته الذين كانوا يكثرون من استعمالها ..؟!! تصوّر ذلك كلَّه يحدث معنا .. ؟! |
| المشـاهدات 26 تاريخ الإضافـة 16/11/2025 رقم المحتوى 68344 |
توقيـت بغداد








