الخميس 2025/11/20 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 10.95 مئويـة
نيوز بار
المشهد السياسي.. من يحسم المعادلة؟
المشهد السياسي.. من يحسم المعادلة؟
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب رياض الفرطوسي
النـص :

لم يكن فجر ما بعد الانتخابات سوى بداية فصل جديد في رواية العراق السياسية؛ فصلٌ لا يُكتب بالحماس وحده، ولا يُقرأ بخطاب النتائج الأولية، بل يُفهم من بين السطور: من طبيعة التحالفات، من حركة القوى، من ارتجاف ميزان المصالح، ومن صمت اللاعبين الكبار قبل كلامهم.

 

المشهد الآن يبدو كلوحة واسعة تتحرك فيها الألوان بلا مركز ثابت. فالصندوق منح بعض التحالفات تقدماً وازناً، لكنه لم يمنح أحداً القدرة على الانفراد بالمشهد، وهذا بحد ذاته ليس عيباً، بل دلالة على أن اللعبة السياسية في العراق تدخل طوراً جديداً من التوازن والبراغماتية.

 

على الصعيد السياسي، تبدو القوى العراقية اليوم أكثر واقعية. لم يعد أحد يرفع سقفه إلى السماء، ولم يعد ممكناً الحديث عن كتلة قاهرة أو أخرى مسحوقة. الجميع رابحٌ إلى حدٍ ما، والجميع خاسرٌ بقدرٍ ما. وهذا المنطق — على غرابته — هو ما يتيح فرصةً لتشكيل حكومة ليست مغامرة جديدة، بل خطوة محسوبة.

 

أما الطريق إلى الكتلة الأكبر فسيكون اختباراً حقيقياً للطبقة السياسية:

هل تتجه نحو شراكات منضبطة، أم تعيد تدوير صراعات الماضي؟

هل ستقرأ نتائج الانتخابات كما هي، أم كما تشتهي حساباتها؟

وهل ستغلب لغة الدولة، أم لغة الغنيمة؟

 

وعلى المستوى الإعلامي، تبرز ملاحظة مهمة: الخطاب الإعلامي بدا أكثر نضجاً هذه المرة. لا انفجارات كلامية، لا انتصارات مطلقة، ولا رثاء للخسائر. الإعلام، بقدرٍ واضح، بدأ يعامل الحدث بصفته انتقالاً سياسياً لا معركة “كسر عظم”. وهذا التحول ينعكس غالباً على طبيعة المزاج العام، فيخفّف من حدة الاستقطاب الذي اعتاد مرافقة كل استحقاق انتخابي.

 

اللاعب الإقليمي، من جهته، يقف اليوم أمام عراق يتغير. القوى الدولية والإقليمية تتعامل بحذر مع نتيجة غير حاسمة: الجميع يريد أن يضمن موضع قدم، لكن أحداً لا يريد أن يُحسب على التدخل الفجّ في لحظة يسعى فيها العراقيون لتأمين صيغة حكم مستقرة. هذه المسافة التي باتت القوى الخارجية تحاول ضبطها قد تمنح بغداد فرصة تاريخية لموازنة علاقاتها من دون أن تُثقل كاهل الحكومة المقبلة.

 

ومع هذا كله، يبقى العامل الداخلي هو المفتاح.

الكتل الشيعية أمام مسؤولية كبيرة لإدارة اختلافاتها بلا إقصاء، والكتل السنية والكردية مطالَبة بأن تتقدم نحو شراكات سياسية لا تُستخدم فيها المقاعد كورقة مساومة فقط، بل كممرّ لبناء استقرار طويل لا يتقاطع مع مصالح مكون أو آخر.

 

المرحلة المقبلة مرشحة لأن تكون مساحة اختبار:

اختبار لقدرة القوى على تخفيض منسوب التوتر،

اختبار لفهم الواقع كما هو،

واختبار لمدى رغبتها في إنتاج حكومة لا تُبنى على فزّاعات الماضي، بل على رؤية تتعامل مع الاقتصاد والأمن والخدمات بوصفها أسس دولة، لا مغانم تناوب.

 

المعادلة لم تُحسم بعد، لكنها قابلة للحسم.

المشهد لا يبدو قاتماً، بل مفتوحاً على احتمالات كثيرة — بعضها قد يقود إلى حكومة أكثر توازناً واستقراراً، وبعضها قد يصنع مشهداً سياسياً مختلفاً عن كل ما عرفه العراق منذ سنوات.

 

وفي هذا المنعطف، لا ينتظر العراقيون معجزة، ولا عناوين نصر وهمي، بل ينتظرون لحظة يُدار فيها البلد بعقلٍ بارد، ولغة مسؤولة، وإرادة لا تخاف من أن تكون في صف الدولة قبل أن تكون في صف أي طرف آخر.

 

هذه هي المعادلة…

ومن سيحسمها، هو من سيفهم أن العراق اليوم لا يحتاج إلى رافع شعار، بل إلى صانع توازن.

المشـاهدات 36   تاريخ الإضافـة 20/11/2025   رقم المحتوى 68446
أضف تقييـم