| النـص :
رغم أن الإطار التنسيقي حصل على أغلبية برلمانية تقارب 190 مقعدًا في الانتخابات الأخيرة، فإن الطريق نحو اختيار رئيس وزراء جديد لا يبدو مفروشًا بتفاهمات جاهزة. الأغلبية هنا لا تعني الانسجام، بل تحولت إلى ساحة ازدحام سياسي يتنافس فيها اللاعبون الشيعة الأقوياء على مركز الثقل في الدولة العراقية، في وقت يراقبه الشركاء السنيون والكرد عن كثب.تشكيل لجنتين داخل الإطار—واحدة لاختيار رئيس الوزراء، وأخرى للتفاوض مع القوى السنية والكردية—كشف أن القرار لن يكون أحاديًا. فالإطار يعي تمامًا أن نجاح الحكومة المقبلة لا يعتمد فقط على حجم الأغلبية داخل البرلمان، بل على قدرة المرشح على جمع القوى المختلفة حوله، وتفادي أي صدام سياسي قد يعطل تشكيل الحكومة أو تنفيذ برامجها.في قلب هذا الصراع يقف أربعة أسماء، كلٌّ منها يحمل ثقله التاريخي وشبكته السياسية، وكلٌّ قادر على إدهاش الداخل السياسي أو إثارة خلافات جديدة. محمد شياع السوداني يبدو كخيار قائم على التجربة التنفيذية، لكنه يواجه خصومًا يعتبرون أن دورة ثانية ستكون مخاطرة في ظل التحولات الإقليمية والضغوط الداخلية. هادي العامري يمثل القوة التنظيمية، لكنه يثير حذر الساسة الأكراد والسنة الذين يخشون انتقال مركز القرار نحو توجه أكثر صلابة. نوري المالكي حاضر بقوة داخل الإطار، لكنه يواجه عراقيل وطنية قد تحول ترشيحه إلى مغامرة سياسية محفوفة بالمخاطر. أما نعيم العبودي، فهو خيار التهدئة السياسية، مقبول نسبيًا، لكنه يفتقر إلى الزخم الكافي لتأمين كرسي رئاسة الوزراء إلا إذا فرض الانسداد السياسي خيار التسوية.الواقعية السياسية العراقية تفترض أن رئاسة الوزراء المقبلة لن تُصنع فقط داخل الإطار، بل عبر سلسلة اتفاقات خفية تتعلق بالميزانية، والنفط، والمحافظات المتنازع عليها، وتوزيع المناصب، والملف الأمني. وبالرغم من الأغلبية الساحقة، يعرف الإطار أن كرسي رئاسة الوزراء يحتاج إلى “صفقة وطنية” تضمن مرور المرشح بسلاسة، إذ لا أحد يريد أربع سنوات جديدة من إدارة مرتبكة أو علاقات مضطربة.النتيجة المرجحة أن رئيس الوزراء القادم لن يكون بالضرورة الأقوى داخل الإطار، بل الأقدر على التنقل بين متاهة المصالح الداخلية والخارجية. ففي العراق، القوة العددية لا تعني بالضرورة النجاح، والشرعية السياسية لا تُمنح إلا لمن يستطيع أن يُحافظ على توازنات هشة بين مكونات متعددة.وهكذا، يبقى السؤال مطروحًا على المشهد السياسي: من سيجلس على كرسي النار؟ الإجابة النهائية لن تأتي إلا بعد أن تنضج مخرجات اللجنتين، ويُختبر المرشح على القدرة الفعلية في إدارة دولة لا تحتمل التجارب المتعثرة. فالعراق يحتاج اليوم إلى رئيس وزراء متوازن، لا إلى مجرد صاحب نفوذ أو قوة سياسية، ومن سيجلس على هذا الكرسي سيحمل على عاتقه مسؤولية أربع سنوات من الملفات الشائكة والتحديات المتراكمة.
|