من أهمّ مقوّمات نجاح الممارسات الثقافيّة في حياتنا , ثبات الرؤية المبنيّة على أسس يتمّ التخطيط لها بحنكة وحكمة وخبرة ودراية , لكي تحقق الأهداف التي تسعى أيّة فعّاليّة للوصول إليها , وبالتالي البناء التراكمي الذي يجعل هذه الفعاليّة متأصّلة لها جذورها التي تمدّها بالنسغ الطيّب الذي يجعل شجرتها تمضي لتلامس عمق السماء ...

وخلف هذه الممارسات الثقافية  الناجحة بامتياز تقف طاقات وعقول وجهود مخلصة آلت على نفسها أن تقدّم الأبهى والأجمل والأكثر عمقًا ودلالة على أهميّة المنجز , الذي لا يأتي بصيغة شكليّة استعراضيّة شأن العديد من الفعاليّات والمهرجانات التي تبدأ وتنتهي دون أن تترك أيّ أثر إيجابيّ لدى المتلقّي .

إن مهرجان كلاويژ يمثل تظاهرة ثقافيّة دوليّة عميقة نجحت في إرساء تقاليد حضارية راقية تنبع أولاً من عراقة شعب كوردستان الأصيل ومن إدارة المركز وهي تثبت دورة بعد دورة أنها جديرة بتحقيق هذا الفعل الجماليّ الحاشد المتنوّع وأن تضيّف عدداً ليس قليلاً من المثقفين والمهتمين والمعنيين في ربوع السليمانيّة الجميلة ,  ‏ومن يتابع النسخ السابقة من المهرجان ،يدرك أنه استطاع أن يستقطب كبار ورموز مثقفي الإنسانية في العالم ، حيث حضروا وساهموا في الفعاليات المتنوعة للمهرجان ، وهذا يعني أن الانفتاح الواعي لإدارة كلاويژ صنع تقاليد ثقافية وركائز قيم حققت لهذا المهرجان القيمة العليا السامية التي يستحقها بوصفه من أكبر وأهم النشاطات الثقافية في المنطقة ،بل صار فعلاً راسخاً في ثقافة العالم .

على الصعيد الشخصيّ , فأنا قد حضرتُ أكثر من دورة من دورات هذا المهرجان , وعشتُ الأجواء الرائعة , بين رفيف الكتب وبوح اللوحات التشكيلية وسحر الموسيقى وحماس الحوار الجاد وطقوس الأدب , والأهمّ في رأيي اللقاءات المهمة بين المشاركين والتي تمثّل ملمحاً متميزاً من الملامح الجميلة لأنجح مهرجان وأنقى محفل تشهده المنطقة .