بعد فترة انقطاع عن الكتابة، فرضتها تراكمات الإحباط وسوء الحالة النفسية الناتجة عن تداعيات الأخبار السياسية، وما يرافقها من شبه فقدان للأمل، وجدتني اليوم أعود للقلم بعد استراحة لم تكن قصيرة. ولعلّ أشد ما أثقل صدري في المرحلة الماضية هو ما تعرضت له بسبب مقال كتبته، وكاد أن يطيح بمستقبلي الوظيفي لولا عناية الله وتدخل الأخ الفاضل سيد وهب حفظه الله الذي وقف موقف الحسم في لحظة حرجة. تلك الحادثة تركت في داخلي أثرًا عميقًا جعلني أتردد طويلًا قبل العودة إلى السطور.لكنّ الخبر الذي بلغني أخيرًا أعاد إليّ شيئًا من الثقة والرغبة في الكتابة: تكليف المجاهد الكبير، صاحب التاريخ والتضحية، وصاحب الدين والخلق الحميد الحاج حسين عبد الكاظم الربيعاوي بتسنم منصب مدير مكتب محافظة ميسان للملتقى الطلابي. هذا الخبر أسعدني كثيرًا، لا لأنه صديقي وتربطني به علاقة وطيدة فحسب، بل لأنني أعرف هذا الرجل حق المعرفة؛ أعرف دينه وأخلاقه، وأعرف قدرته التنظيمية ووعيه الفكري والسياسي ومستواه الثقافي.الحاج حسين ينحدر من بيئة ريفية أصيلة، تربى في بيت دينٍ وتقوى، ونشأ في أحضان المضايف والدواوين حيث الكرم والصدق والرجولة. وقد منحته هذه النشأة بُعدًا أخلاقيًا راسخًا وصدقًا موضوعيًا لا يتزعزع. هو من رجال الله بحق، ممن لا يعرفون المنطقة الرمادية؛ فخياراته إما بيضاء بياض الوجوه الطاهرة، أو سوداء سواد وجوه الأعداء. رجل يقف حيث ينبغي أن يقف، ولا يهادن على الحق والأكثر مدعاة للفرح، أن هذا التكليف يعكس نضج المشروع الجهادي واتجاهه نحو تمكين المجاهدين الحقيقيين داخل الهيكل التنظيمي. وقد سبق أن أشرتُ في مقال سابق إلى بروز قيادة المجاهد أبو يحيى الفرطوسي، الذي تأملنا فيه خيرًا، وها نحن اليوم نرى خطوات عملية تؤكد أن القيادة بدأت تضع قدمها على الطريق الصحيح.إن تصدّر المجاهدين للهيكل التنظيمي عن استحقاق هو عين الرشد، وهو ضرورة بنائية قبل أن يكون مكسبًا شخصيًا. فالتنظيم لا ينهض إلا بأبنائه الذين تشربوا روح الجهاد، لا بالطارئين عليه أو الدخلاء الذين لم يعرفوا معنى التضحية والإخلاص.القيادة العاملة يجب أن تكون مشبعة بروح الجهاد الإسلامي، حاملة لصدق المبدأ، قادرة على صناعة الوعي، وعلى حماية المشروع من الانحراف والتسطيح. والملتقى الطلابي، إذ يخطو هذه الخطوة، يقدم نموذجًا على فهمٍ عميق لمعادلة القوة: قوة التنظيم تبدأ من اختيار الرجال الذين يحملون تاريخًا نقيًا، وقلوبًا عامرة بالإيمان، ورؤية واضحة للمستقبل.إنها محطة محورية، نعم… لكن الأهم هو أن تستمر هذه الخطوات، وأن تتكرس قاعدة ثابتة: من ضحى من أجل المشروع، يجب أن يكون في مقدمة من يبنيه.