الغرب،رحلة بين الانقسام والوحدة
![]() |
| الغرب،رحلة بين الانقسام والوحدة |
|
كتاب الدستور |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب رياض الفرطوسي |
| النـص : الغرب اليوم يبدو وكأنه يقف على حافة منعطف خطير، يتأرجح بين الانقسام والتماسك، بين الصراع والتعاون. منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، حملت الولايات المتحدة شعلة بناء هذا الكيان، فعملت على تأسيس شبكة معقدة من التحالفات الاقتصادية والعسكرية. مشروع مارشال أعاد الحياة إلى أوروبا المدمرة، وحلف شمال الأطلسي أصبح الدرع الذي يحمي السلام والاستقرار. تحت القيادة الأمريكية، نما الغرب وتوسع، فاستوعب معظم أوروبا الشرقية السابقة، ولم يبق خارج الكتلة الغربية سوى روسيا وبعض الدول الصغيرة.
لكن الأمور لم تظل على حالها. مع صعود الرئيس ترامب، ظهرت هشاشة هذا البناء. الرسوم الجمركية المفاجئة، التهديد بعدم الدفاع عن الحلفاء، التقارب مع روسيا، والضغط على أوكرانيا التي تسعى للانضمام إلى الغرب، كلها مؤشرات على أن الغرب يواجه أزمة حقيقية. لكنها ليست بالضرورة نهاية، بل مرحلة جديدة من التحول، لحظة اختبار لقدرة الغرب على الصمود أمام نفسه.
الغرب، كما نعرفه اليوم، حديث نسبياً، لكنه يحمل في طياته جذوراً ممتدة عبر أكثر من ألف وخمسمائة عام. بدأ كمفهوم ديني بعد انقسام الإمبراطورية الرومانية بين شرقية وغربية، ثم ترسخ سياسياً مع قيام الدولة الحديثة، حيث صارت السلطة مركزية، والهوية الوطنية تتجاوز الانقسامات الدينية والطائفية. في هذه اللحظة، بدأت رحلة الغرب الحديث، رحلة الإنسان في البحث عن سلطة عادلة، عن قانون ينظم الحياة الجماعية، وعن سلام يسبق الحرب.
الولايات المتحدة، التي نشأت في نهاية القرن الثامن عشر على أنقاض الاستعمار الأوروبي، جسدت هذا النموذج بشكل فريد. فقد جمعت بين موارد طبيعية هائلة وحكمة سياسية، وأصبحت قوة استثنائية في العالم الغربي. لكنها لم تنفصل عن جدلية الغرب نفسه: الانخراط في الصراعات أو الانعزال عنها، الميل إلى الحرب أو السعي إلى السلام، قوة الدولة أو سيادة الفرد. هذه التناقضات كانت دوماً محرك التاريخ الغربي، وعكسها الأمريكيون في أدوارهم المتغيرة عبر القرون.
الغرب لم يكن أبداً وحدة متجانسة، بل خليط من الصراعات الأيديولوجية والسياسية. القومية، الليبرالية، الاشتراكية، الفاشية، والشيوعية، كلها تيارات غربية الأصل، شكلت صراعات داخلية وخارجية أبدعت التاريخ الحديث. والحروب العالمية لم تكن سوى وجه من وجوه هذا الصراع، حيث انتقل الغرب من كونه طرفاً متنازعاً داخلياً إلى قوة تُفرض على العالم كله.
ما شهدناه في العقود الثمانية الماضية، من انسجام اقتصادي وسياسي وعسكري، كان استثناءً تاريخياً. السلام تحت القيادة الأمريكية لم يكن قاعدة عامة، بل لحظة استثنائية في تاريخ طويل من الحروب والصراعات. واليوم، مع تراجع الدور الأمريكي، يواجه الغرب امتحاناً جديداً: هل يستطيع الأوروبيون الحفاظ على الوحدة والانسجام؟ أم أن الانقسامات القديمة ستعود لتقود المسرح؟
الغرب، بتاريخ طويل من الانقسام والصراع، ليس ميتاً، لكنه على مفترق طرق. رحلته مستمرة، بين لحظات التفكك وفرص الولادة من جديد. وكل أزمة، مهما كانت، هي جزء من نسيج هذه الرحلة العجيبة، التي تعلمنا أن الغرب ليس مجرد كتلة سياسية أو اقتصادية، بل قصة مستمرة عن الإنسان وصراعاته وأحلامه، قصة لا تنتهي إلا حين يتوقف التاريخ نفسه عن الدوران. |
| المشـاهدات 49 تاريخ الإضافـة 17/12/2025 رقم المحتوى 69014 |
توقيـت بغداد









