قصة قصيرة ...
كدر الورد![]() |
| قصة قصيرة ... كدر الورد |
|
فنارات |
أضيف بواسـطة addustor |
الكاتب |
| النـص :
نهى فياض
تجوب في ذاكرتي أيام الصبا ، ويقتحم اشتياقي ذلك الوجه الجميل ، تلك الابتسامة ، الشهامة لقد رق قلبي للقائه ، وهاجت مسامع الروح اليه . فتشابكت الذكريات لتوصلني الى حنين ينتفض من امواج المواقف . تذكرت حين ذهبنا معا للسباحة في النهر ، فقال لي : ما بك ، أتخشى، الموت ؟ اجبته : لا لكني أخاف ان يصيب الحزن أمي بفراقي . فقال لي: انا أتمنى ان يكون لي مكانة في هذه الدنيا ، اتمنى ان أنال الشهادة ، ويكتب على قبري الشهيد البطل - لسعتني تلك الكلمة لهيبتها وخوفا من فقدانه ،فأباغته وارفع عيني نحوه ارشقه بنظرات تكتسيها علامات الخوف والقلق ، وأحاول ان أغمره بطمأنينة مربكة : عمرك أطولمن حياتي . ونزلنا نسبح ونمرح في ذلك النهر ، وانضم إلينا أصدقاءالطفولة الجميلة مهدي ومحمد، تتلقفني الذكريات واحدة تلو الأخرى . ذهبت مسرعا لغرفتي أمسكت، البوم الصور واخذت أحدق به وانا غارق في تلك الذكريات التي كانت تجمعنا،والمضض يجتاحني في كل نظرة تسرقها عيناي تجاه الصور، واذا بابني يشاركني النظرات اليها، وبدأ يسألني عن كل من معي ، فأشار بيده الى (علاء) - اين هو يا أبي - تنهدت تنهيدة كادت تشق جدار الغرفة من كثر الألم الذي اعتصر قلبي . فأجبته : ذهب وتركنا ليحقق حلمه ، الذي كان يسعى اليه - جميل ان يحقق الانسان ما يرمي اليه يا ابي ، لماذا انت حزين ؟ - كلامك صحيح يا ولدي ، لكن ... ، غمرت عيناي وجهي بأمواج الدمع ، متناسية كبريائي - لماذا تبكي ، ما به يا ابي ؟ - علاء مكافح ، بطل ، شجاع ، ذات ليلة من الليالي كعادته اتصل بي وقال : كيف حالك يا ، سندي الغالي ؟ فأجبته: بخير ، واخذنا نتبادل الحديث مع بعض ، لمدة أقصاها نصف ساعة من الوقت ، حينها كانت الساعة العاشرة والنصف ليلا، وكنت منزعجا ؛لان الاتصال ضعيف ؛ فليس لديه شبكة الاتصال في مكان عمله ، قبل ان يغلق خطه قال لي : أوصيك ب(حسوني ) فلذة روحي . ارتعشت خوفا من كلامه وقد أربكت أصوات حروفه مسامعي وسرعان ما اقاطعه ،لا تتكلم كلام لا معنى له ، انت مثل الثعبان لك ارواح عدة ، سوف تدفنني بيدك ، لم اسمع منه سوى ضحكة مصطنعة ، وكأنه يعلم بأنها المرة الأخيرة التي اسمع فيها صوته . على غير عادته في ذلك الاتصال ، يا ليتني كنت معه ، أحسست بخطورة قادمة نحوه ،وأخبرته ان يعود لمنزله ويترك مكانه - : فقال لي ان لم ألازم مكاني لن تحصل لا انت ولا غيرك على النعيم الذي انتم ، به سأغلق الخط الآن ، تذكرني بالخير ولا تنسَ ايامنا الجميلة - ، انقطع الاتصال تاركا معه قلقا وخوفا من المستقبل عاودت الاتصال به كان خطه مغلق ، ليتركني مع حسرات الليل وساعات الانتظار لبزوغ النهار ، فلما اصبحت الساعة السابعة والنصف اتصلت به لم يقل سوى كلمة (الو) ، لينقطع الاتصال مع حيرة مستديمة ، اتصلت مرارا وتكرارا ولم يرد علي أحد ، لم الاحظ الوقت الذي مضى مسرعا وتأخرت على عملي لأذهب مسرعا ، وعقلي منشغل التفكير بما يجري لعلاء . وعند عودتي من العمل وأنا في الطريق اتصل بي علاء ، لم اصدق ما اراه نعم ، هو ... هو ، لقد اتصل ، شكرا لك يا ا لهي . ، انه بخير فأجبته بابتسامة عريضة : الو....، علاوي الورد وسرعان ما تحولت تلك الابتسامة الى حزن ابدي لا يفارق ، ذاكرتي، لم يكن علاء ؛ بل كان(اخوه) ، اين علاء ؟ . اجبني اين ( ابو حسين) ؟ لم اسمع حينها سوى صرخات أليمة : علاء راح ... علاء راح ، شعرت ان الزمن قد توقف مع قلبي وان كلمات علاء التي تربعت على عرش مسامعي اخذت تغادر سطورها . ماذا تقصد براح . ؟ اين هو ؟ - مات ... مات - انه مزاح أليس كذلك ، مثل كل مرة ؛ ليجعلني أضع حداداً على صورته واكتب الشهيد ، البطل اعطني اياه ؛ لأفرغ غضبي فيه - ولك مااااااااات ، ما تفهم مااااااااات - لم اشعر بما جرى لي والى اين اخذتني روحي ، واذا بي امام جثة تفوح منها رائحة زكية كرائحة العنبر ، ازحت منها الغطاء ويداي ترتعش كزلزال يضرب قلبي ؛ واذا بوجه يسطع منه نور يسد عني رؤية الآخرين رغم اختفاء ملامحه من أثر الشظايا التي تغللت احشاءه ، فقد احترق ذاك الوجه الجميل بنيران الحرب والمواجهة . لا لا انتم تمزحون انه ليس بحبيبي وصديقي ، ، انه ليس علاء ، علاء لديه لحية جميلة خفيفة له عيون تشبه الشهد ، لون وجهه كبركة بيضاء يكسوها الذهب من كل جانب انه ليس هو ، علاء جسده متناسق ليس بمحروق لم يكن ، ... لديه اي ندبات في يده ، لحظة انه دعوني أرى قدمه نزلت الى قدمه ، ازحت الغطاء عنها ، وتأكدت من الندبة في قدمه عندما اختطف من قبل . صرخت صرخة سمعها كل من كان في مطار المثنى علاء ، لااااااا ، ارتميت عليه غارقا بدموعي ، لتمتزج مع دمائه الطاهرة كيف تكون انت ، كيف تتركني ، كيف ؛ ليأخذني بكائي وحالة هلعي لحلم يقظ أرى فيه حبيب قلبي . واخي (علاء)، يخبرني بأنه سعيد لما حققه من انجاز - ما فعلته بهم علاء : حبيبي سند لا تبكي ، لم تر - من هم ؟ - الدواعش ، لقد هاجموا ثكنتنا العسكرية في منطقة الصقلاوية - واين تكون هذه الصقلاوية ؟ - بعدك على عادتك لم تتغير، احفظ الأماكن جننتني ، الصقلاوية منطقة في محافظة الأنبار ، تعرضت للاحتلال الداعشي ، لكن لا تخف نحن لها ، لن ندعهم دقيقة واحدة . بعد الآن - دعك من هذا كله ، اين اختفت ملامح وجهك البريء وشاربك الذي كنت تقطع لنا الوعود به ؟ ما هذه الجراحات على وجهك ، يدك ، جسدك ، كيف اصبحت اشلاء ؟ - لن نتمكن من الرجوع اثناء التعرض ، فواجهتهم بنفسي ولم اخف ، قتلت الواحد تلو الآخر ، ولكن بقي اثنان واحد منهم رمى (قذيفة هاون ) على الدبابة التي كنت عليها ؛فأطاح بي قبل ان اخرج منها ، دعك مني ، انا الآن في مكان جميل تكسوه ربيع الانوار من كل جانب ورائحته رائحة الجنة ، لقد التقيت بأبي وازحت عنه آثار الجراح التي رسمت على قلبه لوحة سالت ألوانها وتكللت بلون دماء الطائفية. اوصيك بأمي وابنائي ، ولا تنساني - انتظر ، انتظر ، علاء اين تذهب ؟ علاااء ، صحوت على صرخات ملتاعة من كل جانب ؛ واذا بنفسي مرتميا على جثته ، ارتحت الآن لقد اصبحت الشهيد البطل ، شهيد المعارك . الآن أكتب عبارة : انا لله وانا اليه راجعون |
| المشـاهدات 51 تاريخ الإضافـة 21/12/2025 رقم المحتوى 69125 |
توقيـت بغداد









