السبت 2025/12/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
ضباب
بغداد 6.95 مئويـة
نيوز بار
العام الجديد بين العمر الحقيقي وحساب السنين
العام الجديد بين العمر الحقيقي وحساب السنين
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب د. حسين الانصاري
النـص :

مع كل دورة جديدة حول الشمس، نجد أنفسنا أمام مرآة الزمن نعد ما مضى من سنوات. ولكن هل السنين وحدها هي مقياس العمر؟ الحقيقة أن العمر الحقيقي للإنسان لا يقاس بأرقام تتزايد على التقويم، بل بما يضيفه من معنى وعطاء وقيمة في كل لحظة تمر. إنه .

الفرق بين مرور الوقت وحقيقة العمر ،الزمن يمر متشابها إذا تركنا الحياة تسير على عواهنها، تأتي الأيام وتذهب ونحن في حالة من الركود والتكرار والتردد. أما العمر الحقيقي فيصنعه الإنسان عندما يقرر أن يجعل من كل يوم فرصة للتغيير، ومن كل أسبوع إنجازا جديدا، ومن كل عام قفزة نوعية في فكره وعمله وإنسانيته.

وكماريقول الفيلسوف الرواقي لوكيوس سينيكا (ليس الحياة القصيرة هي التي يجب أن نتحسر عليها، بل الحياة الضائعة) إنها إشارة واضحة إلى أن الزمن المهم فهو ليس طول المدة الزمنية، بل عمق المحتوى الإنساني الذي نملأ به هذه المدة. فكل تحول حقيقي يبدأ من داخل العقل أولاً لان التفكير الواعي هو منبع الانجاز الذي يضيء لنا طريق الإضافة.

وكما يقول الرافعي : ان لم تزد شيئا إلى الدنيا فأنك زائد عليها

فعندما نخطط في بداية كل عام لما هو جديد وإنساني ومفيد، فإننا نضع بذرة التغيير الأولى. هذا التخطيط ليس مجرد قائمة أمنيات، بل هو عملية منهجية تشمل التشخيص الدقيق لما حولنا من ضرورات واحتياجات، ثم التصور الواضح لما نريد تحقيقه، وأخيرا التصميم على التحويل من فكرة مجردة إلى فعل ملموس. لأن الخطوة الأكثر مصداقية في مسار العمر الحقيقي هي تحويل الأفكار  إلى افعال.  حينها يتحول الحلم إلى مشروع، والنية إلى حركة وتجسيد في الواقع. وهذه المرحلة العملية تتطلب التنفيذ المتدرج الذي يحول الأهداف الكبيرة إلى خطوات صغيرة ممكنة، ثم المثابرة الواعية التي تتجاوز العقبات، وأخيرا التفاني الإنساني الذي يجعل من العمل خدمة للآخرين.فالإنجاز الذي يتجاوز الذات ليخدم المجتمع هو الذي يخلد حقا. بل إنه العطاء الذي يبقى بعد رحيل صاحبه، وكما يقول المثل العربي: (يموت الإنسان ويبقى كتابه). الكتب هنا ترمز لكل أثر طيب يتركه الإنسان في حياة الآخرين ليكتب له الخلود

إن دورة العمر الحقيقي لا تكتمل بدون محطة التقويم والمقارنة. فالتقييم المنتظم للإنجاز هو الحوكمة التي تضمن أن يكون كل عام أفضل من سابقه، وكل إضافة أغنى من سابقتها. هذه العملية تتطلب:النقد البناء للذات والعمل، والمراجعة الشجاعة للأخطاء، والتطلع إلى الأفضل دائما ، إن أعظم ما في العمر الحقيقي أنه لا ينتهي بموت صاحبه. فالإنسان الذي يعيش لعطائه يخلد بآثاره. العطاء الإنساني هو الجسر الوحيد الذي يربط الفاني بالخلود. إنه ما يعطي الحياة امتداداً يتجاوز الحدود الزمنية،

هذا هو السر الذي يجعل من حياة البعض قصيرة في سنواتها لكنها طويلة في تأثيرها، بينما حياة البعض الآخر طويلة في سنواتها لكنها قصيرة في معناها

مع بداية كل عام جديد، نحن أمام خيارين: إما أن نضيف سنة إلى عمرنا، أو أن نضيف عمراً إلى سنتنا. الخيار الأول يتحقق بمجرد مرور الزمن، أما الخيار الثاني فيحتاج إلى عزم وتخطيط وعطاء.

العمر الحقيقي يبدأ عندما نقرر ألا نكون مجرد مشاهدين لمرور الوقت، بل صناعا لتاريخنا الشخصي والإنساني. عبر

 الوعي بأن كل لحظة تمر يمكن أن تكون فرصة لعطاء، وكل يوم يشرق يمكن أن يحمل إضافة نوعية، وكل عام جديد يمكن أن يكون صفحة أكثر إشراقا في سجل حياتنا.فليكن عامنا القادم ليس مجرد رقم يضاف إلى أعمارنا، بل فصلاً جديدا في سجل عطائنا. لأننا في النهاية، كما قال الفيلسوف الألماني غوته: "لا يكفي أن نعرف، بل يجب أن نطبق. ولا يكفي أن نريد، بل يجب أن نفعل.

المشـاهدات 35   تاريخ الإضافـة 27/12/2025   رقم المحتوى 69340
أضف تقييـم