الأحد 2025/12/28 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 12.95 مئويـة
نيوز بار
قصائد شلال بين الصورة والإيقاع
قصائد شلال بين الصورة والإيقاع
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

ناصر أبوعون

بدون مدخل تمهيديّ أقول: إنّ الفعلَ الشعريّ المثير للانتباه في بِنية الصورة الشعريّة المُتحركة في مدارات قصائد شلال عنوز مثل سحابة تسبح في سماء النصّ وتفرش ظلالها، ثم لا تلبث إلا يسيرًا حتى تفتح وِكَاء قِرَابِها، فيتقاطرُ الشِّعرُ أمواهًا تغسل درن المُباشرة الفجّة، الذي قد يصيبُها في بعض الفواصل والانتقالات.

وبالتوازي مع هذا الفعل الإبداعيّ نجد الإيقاع في قصائد عنوز يتوكأ على كتف الصورة الشعرية، ويستمد قوته من طاقتها وقدرتها على الإدهاش. ولكن الأكثر إدهاشًا أن هذه الصور تظهر في شكل لقطات فوتوغرافيَة، تضيء الأماكن المعتمة عبر فلاشات متلاحقة تظهر وتختفي، ولا يدل عليها إلا صوت غالق الكاميرا مع كل ضغطة زِرّ.

 ويمكن استبيان أثر الصور الشعرية المتناسلة والمتتابعة في قصائد شلال عنوز  والمتوازية في سرعتها مع سرعة انفتاح غالق الكاميرا من جرَّاء ما تُخلِّفه وراءها من صدى إيقاعيّ متتابع يُشكِّل بدوره نبض القصيدة المُفضي إلى موسيقها الخاصة؛ ليشحذ ذهنية القاريء الذي يقفز بدوره فوق طبوغرافيا القصيدة مُسارعًا الخُطى خلف إيقاعتها الداخلية والخارجية من شطرة إلى أخرى، ومن فاصلة إلى سطر شعريٍّ طويل. وأُنموذج هذه الصورة الشعرية النابضة بالإيقاع نعثر عليه في قصيدة: (ضفاف الذكرى)[طال به الوقوف وهو يحتضن خصر الوقت شغفا/ يمسّد جدائل الشمس على ضفاف الذكرى/يسطّر الحروف نبيًا على شفاه البوح/ يُسائل نواطير الضحى، عن اليمامة البيضاء، التي كانت تلاعب الفضاء، بزهو الأجنحة، وتغني لأحلام الشعراء يتيمة، في غفوة النواميس/ يلبس الأفق نازفًا، بابتهالات التحدّي/ ويدوّن مسارات الضوء على نهارات الأمل].

وعلى منحى آخر نجد الصورة الشعرية في قصائد شلال عنوز بمثابة خارطة تتوزَّع عليها مربعات فنية متداخلة، فهو لا يتعمّد سلخ القصيدة من عصرها، أو تغريبها عن مكان ولادتها ولا يسعى إلى شرعنة غرضها، ولا يصبّها في قوالب فنية جامدة.. إنه فقط ينصهر في عمق التجربة ويطوِّع الاتجاه الشعريّ وليس مطواعًا له وِفْق رؤيته الفنية والإنسانية، مع الإصرار والسعي الدؤوب إلى التوفيق بين المادة والروح/ الإيقاع والموسيقى/ الصورة والفكرة.. إلخ. مُرتكزًا على (الاتجاه الواقعي الاجتماعي)، الذي يميل إلى تحليل الواقع وتناقضاته من منظورات جدليّة، ومنطلقًا – شلال عنوز- من فلسفة جماهيرية تُدوزن قيم المجتمع وأفكاره؛ لكي تنصاع إلى الرؤية المتعالية للشعر بصفته حارسًا للغة والإنسانية.. وهذا الأنموذج نقرأه في قصيدته (لاعزاء): [الماء أجاج/ الشجر عقيم/ الدروب تعوسج فيها الخطو/ والمسافات نام على ضجيجها الفقدان/ ابتلعتها ريح ندم الأزمنة/ كان يداعب بعضا من حلم عتيق/ يجرجره تيه الممرات الراعفة/ يصفعه ذهول مقيت/ فيرى على ناصية الخيبة/ عري حيرة المحطات ووجع بوح المشاوير ولا عزاء.../ ما زال يهمس ببطء في أذن الوجع/ يشاغل عصاه التي تتوكّأ عليها الشيخوخة مكرهة/ يتلفّت عند عين الضياع علّه يجدهم/ هم كثيرون في سعة الموائد/ قليلون جدا عند شراسة الوقت/ قليلون جدا حدّ أنه لا يراهم  في نزف تململ عكازه البليد../يحادث الزمن الساكت/ يحكي وجعه المزمن للجدران/ يتمدّد  على وجيب آهاته/ حد احتراق الأنين/ يغفو على جمر قارعة الألم/ والألم لا يشيخ].

ومن منظور إسلامي ورؤية تصوّفية يتحرّك شلال عنوز داخل مدار القيم الدينية من خلال رؤية فكريّة شاملة وأُفُق واسعٍ يرى الإنسان جسدًا وروحًا معًا لا ينفصلان، وإنّ التوازن بين رَغبات الجسد وتعاليات العقل فيتولّد عنهما انسجام فسلام، ويأخذنا عنوز بعيدًا عن مناطق الصراع المشتعلة، وينتشل قارئه من بين شِقَّي رحى تطحن القيم الإنسانية على مدار تحت وطأة أقطاب ثالوث لا يرحم (نزغات النفس، شطحات العقل، وغواية الشيطان) ويأخذه عنوًا فتسكن روحه بسلام: [أتيتُكَ ماشي لا على الرجلِ إنّما- أسيرُ على قلبٍ  يَجدُّ بهِ الحبُّ/ فيأخذني عنوًا إليكَ مُتيّمًا- يُجرجرني صبّاً يَهيمُ بكَ القلبُ].

وفي الأخير يمكنني القول: إن الرؤية الشعرية في قصائد شلال عنوز رؤية مقاومة  في جوهرها للتفسُّخ الاجتماعي والانحلال الأخلاقي، حيث نراه في كل نصّ يزرع القصيدة شجرة على الطرق المؤدية إلى الله، ليستظل بها المعذّبون في الأرض من قيظ الانحلال الأخلاقي، ويتذمَّل بها الروحانيون من بلادة المشاعر على أسرّة العولمة الطاغية، ويستنير بها الشاعر ذاته في مسارب الحياة اليومية التي أطفأ مصابيح إيمانها أدعياء الجسدانية والشهوانية...[علامَ  تسألُ، هُم للآن ما سَألوا- عافوكَ مُدمىً بسوط الهجر وارتحلوا/ تلتاعُ في سُدمِ الأسفارِ مُحترقًا- منذُ الرحيل وفيكَ الآهُ تشتعلُ/ غابوا وأنتَ على الأبوابِ تنطرُهُم- وتنثر الوجدَ هَيماناً وتبتهلُ].

المشـاهدات 15   تاريخ الإضافـة 27/12/2025   رقم المحتوى 69366
أضف تقييـم