الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 22.95 مئويـة
قالا بين قصة حقيقية والتأثر بفيلم أماديوس
قالا بين قصة حقيقية والتأثر بفيلم أماديوس
سينما
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

نوزاد جعدان

            الكثير من القواسم المشتركة تربط شخصية جاغان بالمغني المعجزة ماستر مادان الذي كان واحدًا من أشهر المطربين في الأربعينيات في الهند، ففي سن الرابعة غنى لأول مرة في الأماكن العامة وطوال مسيرته العمرية القصيرة جرى حفظ ثماني أغنيات فقط من أرشيفه. ويقال إن وفاة ماستر مادان حدثت عندما كان في الخامسة عشر من عمره عندما تم خلط الحليب الذي يحتسيه بالزئبق، فمن هو ماستر مادان؟..

في قرية بنجابية، عاش والد ماستر مادان عمار سينغ، مع زوجته بوران ديفي -والتي رحلت أيضا مبكرا عام 1942- وأطفالهما. وعمل عمار سينغ لدى البريطانيين وكان شغوفا بالموسيقى وفتنا بالآلات الموسيقية التي كانت تملأ بيته، واعتاد عمار سينغ وأطفاله العزف عليها لاسيما ابنته الكبرى شانتي.

ولد ماستر مادان في 28 ديسمبر من عام 1927وأطلق عليه اسم مادان وذات يوم اقتحم قرد منزل مادان عندما كان عمره شهرا ونصف الشهر ثم حمل مادان إلى الشرفة أمام أنظار العائلة. لذا بذل أفراد الأسرة قصارى جهدهم لإعادته ولكن لم يفلحوا، كان الجميع قلقين من أن يسقط الطفل من القرد. تذكر أخته شانتي أنها تناولت حبة برتقال وألقتها على القرد. ثم هرب القرد بالبرتقالة بينما بقي مادان آمنًا على الأرض، هذا الشيء جعل العائلة تحسب الطفل معجزة آلهية حسب معتقداتهم الدينية، ثم بدأت أخته شانتي بتلقينه أصول الموسيقى وكان يبلغ من العمر الثلاث سنوات وعندما أقيمت احتفالية في القرية عام 1930 غنى مادان ترنيمة وسط اندهاش الحضور من هذه الموهبة الناضجة قبل آوانها وأن هذا الطفل معجزة موسيقية ونال على إثرها الكثير من الميداليات والشهادات التقديرية..

وبين عشية وضحاها، انتشرت شهرة مادان وبدأ مع شقيقه الأكبر الممثل والمغني موهان بتقديم الأغاني في المسارح وامتلأت جدران المدن بملصقات صوره وحفلاته كما كتبت عنه الصحف المطبوعة.

في السابعة من عمره تولى المايسترو عمار أناث الشقيق الأكبر للموسيقار حسن لال بهجت رام وملحن فيلم ""ميرزا ساهيبان " مع المطربة الكبيرة نور جيهان تدريبه وتلقينه المقامات والنوتة الموسيقية باحترافية.

  في مدينة شيملا كان شقيق مادان الأكبر موهان عازفا على الكمان أيضا ويغني مع عندليب الهند كاندال لال سيغال الذي كان في بداية مشواره في منزله، وحين سمع المديح الذي يلقاه مادان من أصدقائه قرر زيارة الطفل الصغير وسماع صوته وفعلا لم يمكن مديحا مفرطا إنما كان في مكانه، حتى أنه كرر زياراته إلى منزل مادان لسماع صوته وأبدى إعجابه وتأثره به..

في عام 1940، قام المهاتما غاندي بزيارة شيملا وعزف الكثيرون عن حضور خطبته واجتماعه بالجماهير وذلك بسبب حضورهم حفلة موسيقية لماستر مادان في نفس الوقت (تم الإشارة إلى ذلك في الفيلم أثناء حفلة جاغان في أحد الحوارات).

غنى السيد مادان عبر أثير الإذاعات مع كبار المطربين في جميع أنحاء البلاد أمثال غلام مصطفى دوراني وانضم إلى مدرسة ساناتان دارما في شيملا ومن ثم نال شهادة الثانوية العامة من مدرسة رامجاس في دلهي. استمر في الأداء على خشبة المسرح في جميع أنحاء البلاد خلال تلك الفترة. بالإضافة إلى ذلك، واصل العمل في إذاعة "أل إنديا" من عام 1931 إلى عام 1942.

هذه الشهرة وهذا الصوت الذهبي جعلا حكام الولايات الهندية يطلبون منه إحياء حفلاتهم الخاصة والتي كانت تجلب الكثير من الأوسمة والأموال له ولعائلته لكنها كانت سببا في إرهاقه واستنزافه أيضا.

وبالمقابل، هذا الإجهاد المفرط الذي عاناه الصبي الصغير وعدم توفر الرعاية الطبية الكافية له. أثرت على أعضائه الحيوية. ورحل العبقري بصوته الخالد في شيملا في 5 يونيو عام 1942 قبل عدة أشهر من عيد ميلاده الخامس عشر. ثم جرى حرق جثته حسب الطقوس السيخية وهو يرتدي كل أوسمته.

من جانب آخر، تقول بعض الشائعات أن مادان حاز على كل الأضواء وأن أقرانه من الفنانين لم يمكنهم المضي قدما في الوسط الفني طالما مادان على قيد الحياة، وشعبيته تلك أثارت غيرة هؤلاء الفنانين ويرجحون الكفة إلى أنه جرى تسميمه من قبل أحد الحاسدين..

وبالعودة إلى فيلم "قالا" سنجد الكثير من الأمور المرتبطة بالشائعات الحقيقة لوفاة مادان فإحدى الشائعات تقول أنه حين كان يحي حفلا في مدينة أمبالا، دعته فتاة مغنية محلية وأعطته قطعة من أوراق التنبول التي أدت إلى إصابته بالتسمم.  وتقول إحدى الشائعات الأخرى أنه أثناء تواجده في محطة راديو دلهي، دس فنان غيور الزئبق في كوب الحليب الخاص به، وهناك أخرون يقولون أثناء إحيائه حفلا موسيقيا في مدينة كالكتا وبعد حفلته الصاخبة دس أحدهم سمًا بطيئًا في شرابه، ولوحظ في وقت لاحق أنه لم يسترد صوته أبدًا بعد هذا الأداء المعين، ربما كان هذا الرأي الأخير الذي تبتنه مخرجة الفيلم الشاعرة والكاتبة أنفيتا دوتا.

إلى جانب شخصية ماستر مادان تُذكرنا شخصيتا المنتج راج وزوجته المنتجة والممثلة بالمخرج هيمانشو راي والممثلة ديفيكا راني وفي المشهد القصير الذي تظهر فيه الممثلة أنوشكا شارما عبر الشاشة الفضية كأنها تتقمص شخصية ديفيكا راني، كما تشير المخرجة بذكاء إلى أول مصورة فوتوغرافية في تاريخ الهند في إحدى مشاهد الفيلم.

بالمقابل، يتساءل الكاتب والباحث في شؤون الموسيقى الهندية كمالكار باسوبولتي بأنه تراود إلى مسامعه أن المطرب الكبير كاندال لال سيغال هو من قام بدس السم في كوب الحليب الخاص بمادان وأنه بعد وفاة مادان أصبح كاندال ضائعا وغارقا في الكحول حتى توفي بعد موت مادان بثلاث سنوات من تشمع الكبد، ولكنها تبقى فقط مزاعم لا أسانيد لها تماما كتلك الفرضيات التي تقول أن الموسيقار الكبير نوشاد كان سببا في موت كاندال لال سيغال لاسيما بإجباره على الغناء وهو في أشد حالاته المرضية ودفعه نحو الكحول ليخرج صوته الحقيقي. لكن بالمقابل الروايات الأكثر شمولا لم تذكر ذلك.

كذلك ومثلها تلك الفرضية التي تقول أن المغنية مادهوبالا كانت تغار من صعود نجم الممثلة والمغنية ثريا لذا فقد دست لها بعض الأدوية التي كانت سببا في زيادة وزنها المطرد وابتعادها عن الشاشة أما مادهوبالا فقد أصابها ورم في الدماغ فرحلت مبكرا جدا لكن النظرية السائدة تنفي ذلك.

هل التهم قالا توأمه أماديوس ؟!...

الكثير من القواسم المشتركة تجمع بين فيلمي "قالا " و "أماديوس" للمخرج ميلوش فورمان صاحب  والمنتج عام 1984 وصاحب فيلم أحدهم طار فوق عش الوقواق  والذي يدور حول مثل الموسيقار “موزارت” و الغيرة والحقد المتمثلة في شخصية “أنطونيو سالييري” ذلك الموسيقار الذي وجد من هو أعظم منه وأكثر عبقرية منه وأصغر منه سناّ  فيحاول بشتى الطرق التخلص منه:

- عنوان الفيلم لبطل الشخصية أماديوس  هو الضحية فيما قالا هي القاتلة.

- تشبيه قالا بطائر الوقواق يذكرنا بفيلم ميلوش فورمان أحدهم طار فوق عش الوقواق.

- علاقة موزارت بسالييري لاسيما أن الثاني أكبر من الأول بحوالي خمسة أعوام وقد كان نجم البلاط إلى مجيئ موزارت، تماما كما كانت قالا إلى حين ظهور جاغان.

- التكنيك الروائي والتنقل بحرية في الزمان، من خلال الفلا ش باك حيث تقوم الشخصيتان قالا وسالييري أيضا بسرد أحداث من الماضي.

- في افتتاحية فيلم أماديوس ، نسمع صراخ رجل محبوسا في غرفته "موزارت، سامح قاتلك ، اعترف باني قتلتك، موزارت، سامح قاتلك" تماما كما في فيلم قالا.

- جنون سالييري بعد موت موزارت ومحاولته الانتحار، وكذلك تتجسد هذه اللقطات في فيلم قالا.

- الفيلمان يجمعان بين قصة سيكولوجية مشوقة وموسيقيان وتاريخيان.

في النهاية، الفيلم يقدم رؤية خاصة للنفس البشرية وصفاتها من حب وكره، وحقد ومحبة ودناءة وسمو يجسدها جميعاً وكان اختيار المقطوعات الغنائية دقيقاً جداً، فكانت كل مقطوعة تعبر عن الحالة النفسية للشخصيات وسير الأحداث العامة للفيلم وهذه كانت نقطة مثيرة وأضفت لمسة رائعة جداً، كما استطاعت المخرجة  أن تحفظ فيلماً تصل مدته لقرابة الساعتين دون أن تجعلك ترفع عينيك عن الشاشة ، تعيش خلاله لحظات من التأمل، من الصفاء الروحي، من الاندماج العقلي، من الجدل الفلسفي ، من المرح المهذب، ومن الموسيقى كأجمل ما تكون الموسيقى، وترى تلك الأوراق الخضراء التي نبتت على جدران إسمنتية ..

المشـاهدات 387   تاريخ الإضافـة 18/05/2023   رقم المحتوى 21359
أضف تقييـم