الجمعة 2024/4/19 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 36.95 مئويـة
قصة قصيرة "عندما هب القصب"
قصة قصيرة "عندما هب القصب"
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

في تلك الليلة الحالكة السواد وحينما تراشقت على أرض بلاد السواد غيوم الغل محملة بفوضى العقل وبحقد حول القلوب التي في الصدور إلى جلاميد، كانت هذه القصة لتدوين ما فعله غبار أسود يكره  النخل والشمس وسمار الأرض.

اجتاحت الغبرة تلك الأرض، خربتها، حرقت بيوتها وجرفت بساتينها، عاصفة هوجاء صفراء، لا تميز بين أبيض وأسود، ولا حجارة أو غصن شجرة، كانت أقرب الى عصف تنين تلقف الأخضر واليابس، فانطفأت مصابيح المدينة وخفتت أنوارها وساد الظلام!

ألف زهرة وتزيد عليها أكثر من سبعمئة أخرى كانت مسرح موت لهذا السواد. أحسّت تلكم الزهرات برعب ملأ أرواحهنّ النقية الطاهرة، فهي ما زالت غضة رقيقة، تقطر ندى، أرادت النجاة من بطش التنين، وأنىّ لها، فهي غريبة عن المكان، ولا تعرف الطريق! سألت واستفسرت، لكن لم يدلها أحد، تاهت، كان الجميع يدور مثل مصراع أو ناعور في صحراء. كبرت الغيمة السوداء انضمت إليها غويمات جبانة انتهزت الفرصة، تفرقت الزهور، ألقي القبض على الأعم الأغلب، بينما لجأ مطمئنًا قسم آخر باتجاهات شتى، كانوا مثل شياه تخلى عنها راعيها فتُركت للضباع تُقطع فيهن ما تشاء.  شباب في أيامهم الأولى من الدرس!  جلبوا إلى النهر، وضعوهم قبالته تمامًا. لكن الاشرار لا يعرفون أن هؤلاء الشباب والنهر من طينة واحدة! تمخضت تلك الغبرة، فأنجبت سمًا وقيحاً، إذ نفثت الأفاعي سمومها، لوحت بخنجر الغدر، مدوهم على منصة الموت الملاصقة للنهر، تلّوهم للجبين واحدًا تلو الآخر، ذكريات طفولتهم وملاعب صباهم ارتسمت في تلك اللحظة  مثل شريط مصور على كريات دموعهم الهابطة مثل درر. دللولات أمهاتهم منحتهم ثقة وقوة، فكانت إبتسامة ثغورهم  وهم يُنحرون مثل الأضاحي، الرد الأعظم على خفافيش الظلام. في السماء تُسمع صرخاتهم وفي أدنى الأرض ، أما التنانين فكانت بلا أذان أو عيون، مجرد أفواه ونار زرقاء، لا تستجيب ولن تستجيب، حتى ترتوي من دماء تلك الزهور ورحيقها، ولن ترتوي!

تحولت أرواحهم الى حمامات سلام، ملأ عبيرهم وشذاهم الآفاق، خلا أولئك الرعاع الاجلاف ذوي الرؤوس المتحجرة الصلدة فقد خابوا مرة أخرى، فلم يخبروا ذلك العطر، ومثلما أنهم بلا أذان وعيون فهم كذلك بلا أنوف ولا إحساس.

آلاف السرادقات نصبت حزنا وقهرًا، ارتقى صدى أنين الثكالى الى سماء الرب، فجاء التكليف إن قد بلغ السيل الزبى وقد آن الأوان، انتخى سيد النقاء، أمير القصب والبردي، ليقتص من ذلك الظلام.

هبت جموع القصب، صارت رماحًا، انتصبت فوق قممها وأعلنت الحرب، انه وقت القصاص، ففيه حياة، وإيقاف لتلك السموم الزعاف. نهضت محملة متدرعة بـ مسلة حمورابي و قانون العين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، غير انه لم تكن عينًا واحدة بل آلاف العيون، ولم يك سنًا وأحدًا بل عشرات آلاف الأسنان! سارت تحمل بنادقاً من الرقم الطينية، صعدت نحو العلياء مستعينة بسلالم الزقوزة. دارت رحى الحرب، شعر الأوغاد بصعوبة المعركة، عجزوا عن قتال القصب، كان لابد من فداء وتضحيات، فلا ضير أن تصير الألف وسبعمئة .... ألفين وأكثر، فالطريق واحد والهدف سامي، اذا سقطت قصبة وقصبات، غير أن واحدة لم تنحنِ أو تركع. الشرف حليب نشربه من أثداء النساء العظيمات، والخيانة والغدر طبع الافاعي، شرابهم سم يلعقونه من صدور الحيّات. وكما كان لليل جولة، فالنهار له أهله وأصحابه، وله صولات وجولات، فمن هناك، برزت بردية اصيلة من ناحية (العلم)، تلك التي امتلكت شجاعة لا يمتلكها إلا الأفذاذ من أصحاب القلوب المؤمنة بعدالة السماء ، وأظنها قد قبضت قبضةً من أثرٍ زينب يوم سلمت الميمون لذلك الفارس الذي يهابه الموت! فقد آوت رموز شرف ورجولة! بعض من أولئك الفتيان الذين لجأوا إليها لتؤويهم من بطش تلك الوجوه الغبراء، دافعت عنهم تلك البردية دفاع زوجة وهب يوم الطف، وحمتهم بجسدها وأولادها وقاتلت حتى عانق سيفها رماح القصب، والتقوا أخيرا من حيث بدأوا ضد تنانين القرن الواحد والعشرين!

المشـاهدات 291   تاريخ الإضافـة 06/06/2023   رقم المحتوى 22912
أضف تقييـم