
![]() |
قصة قصيرة صورتي وصورة أمّي........ |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
حاتم حسين نحن من قاطني تلك المناطِق العشوائية الفقيرة التي تعيشُ غياب الأبِ والمُعيل وحِرمان دراسي ، وأمّ تَصْطحبني منِذ طفولتي للِوقوف معها في الشوارع والتقاطعات المزدحمة، وها أنا اليوم أبلغ سنّ الثانية عشرة بعد أن أقلعتُ ، ورفضت الذهاب مع أمي،ما أنا فيه اليوم هو نتيجة أُمي التّي تعاطت المُسكرات والحبوب والسكاير بعد رحيل والدي ، وأنا في رحمها، تقارير الاّطبّاء تحكي وتؤكّد بأنّي أُعاني من إعاقة بدنية، وتشوّهات واعوجاج في الأطراف والأرجل قالت لي ذات مرّة : ماذا لو تقِفُ عدّة ساعاتٍ في التقاطعات لدرّت عليك الملايين من الدنانير أفضل لك من أن تُقابلني طول النّهار تأكُل وتشرب وبلِا عمل، الله وهبك هذه الإعاقات كي تُصبحَ غنيّا، ولأنّ أُمّي بسبب إدمانها لاتنتبه إلى مهارات ولدِها في المشي ، لكنّها تريد أن تستغلّه وتدفعه للشارع كان هذا هو كلّ همِّها ،فأنا للآن أتارجح يمينا ويسارا لو حمُلّت ثقلآٓ يسيرآٓ، بل أحتاج أن ألحق ساقي الأيمن بساقي الأيسر أكثر من أربعين ثانية ،لكنّ أمّي حرمّت عليّ أحلامي ،فأنا أحلم بالمشي السويّ ، وبالركض وحين أسمع صوتَ الطائرةِ في الجو تدركني السعادة، وأنا أُتابعها حتى تغيب عن ناظري، حلمت أن أكون مثل عصفورٍ. يتقافز بكلّ حيويته وبإرادتهِ، فلن أعود إلى الشارع مهما كلّفني الأمر ياأميّ...لَكنّي أتذكّر أن أُمّي يوما ما حكت لي قصة رحيل والدي الذي شكل لديها صدمةٓٓ عنيفةٓٓ ، وهي تقول لقد أُقفلت الأبواب تمامآٓ بوجهي، كان الشارع أقرب فرصة لإنقاذي أنا وأنت.لم أكن سعيدةً حين أمسيتُ في الشّارع أتسوّل لكنّها كانت أرحمُ مِن مدِّ يدي إلى الأحباب والأقرباء، لعلّ قسوةَ الحياة جعلت من أُميّ ، أن تغمض عينيها عمّا تراه، من تشوهاتي البدنيّة ولا تدرك سرّ بُكائي ودموعي ، وأنا أراها تقف ضعيفة ،ومهانة، ومتوسّلة، تستوقف المارّين،مشاهد لن تتوارى عن ناظريّ وأنا اليوم أتذكّرها بألم وحسرة فقد ماتت وتركت لي كل هذه الأموال التي كنت أعرف أين تحتفظ بها وتخبئها ،لكن هذه االأموال التي جلست أيامآٓ ولياليا في عدّها ورزمها وإيداعِها في بنك خوفا من سرقتها،لأنني مثلما أسلفتْ لا أقدر الدفاع عن نفسي فيما لو أُيذيع خبر رصيد أمي من المبالغ التي كانت معروفة من قبل الكثير ممن يتشارك معها في هذا المشوار من العمل،كنتُ أرى نظرات وردود أفعال لموظفي البنك ، وأنا أقوم باِيداع هذه المبالغ في حساب التوفير كلّ أسبوع، يتساءلون في أعماقهم من أين أتيت بهذه المبالغ النقدية من الفئة النقدية الصغيرة ؟!!، طاقة وقوة دبّتا في جسدي ،وتبادر إلى ذهني مراجعة طبيب لمعالجتي ، حاولت أن أحثّ الخطى لكنّ تباشير الألم أوقفني في مكاني ، وفكرت كيف تسنّى لأمّي أن تتركني كلّ هذه السنين ؟! دون أن يَخطر ببالها أن تأخذني إلى طبيب أو مشفى عامٍ،لقد تغيّرت قناعتي ، وأنا أنظر إلى دفتر التوفير ألذي يكفي لمعيشي مائة عام قادم، المشكلة ليست بما أصبح لديّ من أموال وإيداعات ،بل تراءت لي أمّي في كلّ المشاهدِ وسنوات الطفولةِ ،وهي تقف مهانة أمام وجوهٍ غريبةٍ، بل كان يصل بها الأمر أحيانآٓ أن تُطرد ، حين تدخل الى المقاهي والمطاعم، وهي تقبض على يدي ،وأنا أتحسّس الإهانات منكّس الرأس خجلاً حتى من لذّة المحسنين الذين أحيانآٓ نجدهم لطفاء وكرماء مع أُمّي الّتي أستباحت إنوثِتها وكرامِتها،وأورثتني أشكالاً وانكالآٓ من الصور والقيود النفسية حتى أنّي كنت أكتم اشتياقي ،ولو للنظر الى فتاة جميلة أُصادفها ، أو أقف أمامها مع أُمي التي لم تكن تشعر بموقد الأحاسيس الحارّة الملتهبة الذي ينتابني.أحلم أن تمتلئ رئتاي بهواءٍ حرٍّ ، ونقيٍّ أغازل فتاة رصينة على شاكلة العوائل السعيدة... أحلم بكبرياء أُمي ، وإيقاف تدهورها الرخيص الموجع بالنسبة لي،كنت أصرخ في داخلي :-أنا متألم ياإمّي أنا أموت ... ياأمي ؟ لكن هيهاتَ أن تستعيد أمّي وعيها وكرامتها المفقودة في كلّ لحظة ونحن ننتقل من شارع الى آخر ومن منطقة إلى أخرى. وها أنا أتقافز فوق المبالغ والأرصدة الكبيرة التي جمعتها أمّي من الطرقات والشوارع والمقاهي،مبالغ لايصدقها العقل ، وهي كافية لفتح مشروع والعيش بكرامة وشرف،كم تمنيت أن تُراجع أمّي نفسها وحساباتها ، وتنقذ ولدها الذي تركته وحيداً مع هذه الثروة التي لم يكن متكافئا معها، كيف يمتلكها شخصٌ مثلي مُعاقآٓ ، لم يذهب يومآٓ إلى الطبيب لمعالجة نفسه، المشكلة التي بدأت تنمو ، وتتّسع في داخلي ، هو أني كرهت هذه الأموال والأرصدة التي ودّعتها في البنك، يفترض في كلّ الحسابات المنطقية أن أفرح لهذة الثروة التي أستطيع تذوق حلاوة العيش منها لا أن أمقتها وأكرهها ،كلّ الذي تركته لي أمّي مرهوناً بالتوسل والإهانة والذل،هذا الشعور لايمكن ان يغادرني مهما أقنعت نفسي بما جمعته أمي عن طريقِ حلالٍ،اجتازت فيها المصاعب ، وباعت فيها ماء الوجه،مهما قلتُ لكِ ياأمي وأخبرتك فإنّ تباشير الرذيلة ستبقى في نفس ولدك،ولدك الذي يحث الخطى لاستعادة كرامته ،أن ينقذ نفسه من هذا الكابوس الذي يُداهم شعوره كلّما عدّ حساباته ، ورأس ماله الذي تركته لي ،ولدك مُنهك ياأمي وهو يفيق يوميآٓ على مشاهد تذكّره بالشوارع والمقاهي والمطاعم ،صورة قاتمة ومشوشة لطفولة مريرة وأنا اختبئ بعيدآٓ عن هذا العالم الذي حفظ صورتي وصورة أمّي |
المشـاهدات 15 تاريخ الإضافـة 11/05/2025 رقم المحتوى 62730 |