الخميس 2024/5/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 24.95 مئويـة
نداءات بين المنعّمين والمُعذّبين
نداءات بين المنعّمين والمُعذّبين
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب م.م. مالك محمود الغشامي
النـص :

مما لاشكّ فيه أن في عالم الآخرة سيكون هناك صنفين من النّاس، الأول: وهم أصحاب الجنة المنعّمون ، أمّا الصنف الثّاني: فهم أصحاب النّار المعذّبون، والسّؤال هنا هل يوجد تواصل بين هذين الصنفين من النّاس؟، والجواب نعم, ويرى بعض المفسّرين أنَّ هناك منطقة يشرف بها أهل الجنة على أهل النّار، فيرون بعضهم بعض ، ويسع بعضهم الآخر، وقد سجَّل القرآن الكريم بعض من الحوارات بين هذين الصنفين عبّر عنه القرآن بصورة بديعية جميلة، قال تعالى في سورة الأعراف: ((وَنَادَىٰٓ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَنَّةِ أَصۡحَٰبَ ٱلنَّارِ أَن قَدۡ وَجَدۡنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّٗا فَهَلۡ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمۡ حَقّٗاۖ قَالُواْ نَعَمۡۚ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنُۢ بَيۡنَهُمۡ أَن لَّعۡنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّلِمِينَ)) الأعراف: ٤٤، فبعد أن تيقّن كلُّ فريقٍ منهم من مصيره المحتوم بدأ أصحاب الجنة في الآية يتحاورون مع أصحاب النّار، فبيّنوا أنهم وجدوا الذي كانوا به يوعدون من الثواب العظيم من قبل الله تعالى، ثمّ يوجهون سؤالًا لأصحاب النار، ما حالكم أنتم؟، هل نلتم ما وعدكم ربكم؟، فأجابوا بكلمة واحدة (نعم) وهم يتحسرون؛ لما لحق بهم من خزي وانكسار وندم.ويعود الحوار مرّة أخرى وفي السورة نفسها بين أصحاب الجنة وأصحاب قوله تعالى:((وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ)) الأعراف50: لكن هذه المرّة  أهل النّار هم من يبادر بنداء أهل الجنة وهو بمثابة نداء استغاثة فهم يطلبون منهم بذلَّة وانكسار واستجداء شيئًا قليلًا من الماء ليطفئوا ظمأهم الذي أصابهم من العذاب، أو من أي شيء رزقهم الله به، فيجيب أصحاب الجنة: بأنّ اللهَ قد حرمها عليكم، فلا يمكن لنا أن نمنحكم ما حرّمه الله عليكم , وفي حوارات أخرى يطلب أهل النار من الجنة شيئًا آخر غير الماء والطعام قال تعالى:((يَوۡمَ يَقُولُ ٱلۡمُنَٰفِقُونَ وَٱلۡمُنَٰفِقَٰتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱنظُرُونَا نَقۡتَبِسۡ مِن نُّورِكُمۡ قِيلَ ٱرۡجِعُواْ وَرَآءَكُمۡ فَٱلۡتَمِسُواْ نُورٗاۖ فَضُرِبَ بَيۡنَهُم بِسُورٖ لَّهُۥ بَابُۢ بَاطِنُهُۥ فِيهِ ٱلرَّحۡمَةُ وَظَٰهِرُهُۥ مِن قِبَلِهِ ٱلۡعَذَابُ))الحديد: 13 فهم يطلبون أن يستضيئوا من نور المؤمنين بعد ما لقوه من ظلمة حالكة، فيأتي الرّد عليهم تهكّمًا واستهزاءً بهم: "ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا"، فيحصلون على خيبتهم الثانية، إذ ضُرب بينهم وبين المؤمنين بسور منيع وحصن حصين لا يمكن لهم أن ينتفعوا بسببه من نور المؤمنين, وبعد أن قنطوا من أن ينالوا شيئًا من المؤمنين، بدأوا يعاتبونهم من خلف ذلك السور  بقولهم ،قال تعالى: ((يُنَادُونَهُم أَلَم نَكُن مَّعَكُم قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنَّكُم فَتَنتُم أَنفُسَكُم وَتَرَبَّصتُم وَٱرتَبتُم وَغَرَّتكُمُ ٱلأَمَانِيُّ حَتَّىٰ جَآءَ أَمرُ ٱللَّهِ وَغَرَّكُم بِٱللَّهِ ٱلغَرُورُ )) الحديد: 14 .. أي: ألم نكن نعيش نحن وأنتم في الدنيا ونعمل ما تعملون، فما الذي حصل وانفصلتم عنّا، فيجيبهم المؤمنون  بـ "بلى"  كنتم في الدنيا معنا ولكنكم فتنتم أي امتحنتم وأهلكتم أنفسكم وتربصتم الدوائر بالدين وأهله ،وشككتم في دينكم، وغرتكم الأماني حتى إذا جاءكم الموت فانفصلتم عنّا, ومن الحوارات بين أهل الجنة والنار أيضًا قوله تعالى:((كُلُّ نَفسِ بِمَا كَسَبَت رَهِینَةٌ * إِلَّاۤ أَصحَـٰبَ ٱلیَمِینِ * فِی جَنَّـٰت یَتَسَاۤءَلُونَ * عَنِ ٱلمُجرِمِینَ * مَا سَلَكَكُم فِی سَقَرَ * قَالُوا لَم نَكُ مِنَ ٱلمُصَلِّینَ * وَلَم نَكُ نُطعِمُ ٱلمِسكِینَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ ٱلخَاۤىِٕضِینَ 45 *  وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِیَومِ ٱلدِّینِ * حَتَّىٰۤ أَتَىٰنَا ٱلیَقِینُ 47 * فَمَا تَنفَعُهُم شَفَـٰعَةُ ٱلشَّـٰفِعِینَ * ﴾ [المدثر 38 - 48].إذ يسأل أصحاب اليمين - وهم في الجنة - أصحاب النّار  عن سبب دخولهم النار (وسقر :اسم من أسماء النّار), فيجيبَ المُجْرِمُونَ بأنّ أسباب زجّهم في النّارِ، هي أرْبَعَةَ أسْبابٍ : فهم لَمْ يَكُونُوا مِن أهْلِ الصَّلاةِ، كما أنَّهم لَمْ يَكُونُوا مِنَ المُطْعِمِينَ المَساكِينَ، وأنَّهم كانُوا يَخُوضُونَ خَوْضَهُمُ المَعْهُودَ مع أهل الباطل، وأنَّهم كَذَّبُوا بيوم الحساب، وبقوا هكذا حتى جاءهم الموت فكان جزاؤهم أن يدخلوا النار.

 

 

 

المشـاهدات 69   تاريخ الإضافـة 29/04/2024   رقم المحتوى 44694
أضف تقييـم