السبت 2024/7/27 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 34.95 مئويـة
(نواح الاآلهة) والارتباط الجدلي بالمكان) ـ الكتابة السردية هي لعبة مع الذات أولا .. فالرؤية ثانية..
(نواح الاآلهة) والارتباط الجدلي بالمكان) ـ الكتابة السردية هي لعبة مع الذات أولا .. فالرؤية ثانية..
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

علوان السلمان

(إنها إخراج الشيء من متوالية الحياة إلى متوالية الفن يؤدي إلى تغريبه.. وفي هذا التغريب يكمن الفن .. والتغريب إما أن يكون شعريا يعتمد على المجاز والاستعارة والصورة الخيالية.. وإما أن يكون سرديا يعتمد على طبقات من الخطاب والحكي والعالم الخيالي الدال.) كما يرى الشكلانيون الروس..                                              

  وباستحضار المجموعة  القصصية(نواح الآلهة) التي نسجت عوالمها السردية انامل منتجتها القاصة عالية طالب..واسهمت دار شمس في نشرها وانتشارها/2023.. كونها نصوص تحدد  زاوية الرؤية  واتجاهاتها من جهة.. والتركيز على عرض الشعور والتجربة الباطنية.. والاتكاء على المجاز والكناية..  والتكسر الزمني.. والأسلوب.. من جهة اخرى.. فضلا عن تغييب ملامح الشخصيات عدا ما يشير إلى الأسماء والصفات.. وهذا يعطي دلالة على وعي المنتج(السارد) بكون الشخصيات في القصة القصيرة (مجرد خيوط وأيقونات مختصرة لكل ما هو خارج أو مرجعي..).. ابتداء من الايقونة العنوانية  التي تنفتح على دلالات تعبيرية متعددة تجعل المستهلك (القارئ )يطرح تساؤلات وتأويلات..كونها تحمل  الكثير من الدهشة والإثارة التي تجذبنا للكشف عما يتضمنه المحتوى السردي.. المتكىء على عنواناته الداخلية الى جانب الاهداء.. النص الموازي والمصاحب النصي كما يسميه جيرار جنيت..اذ تكمن اهميته والعتبات النصية الاخرى(اللوحة بالوانها واسم المنتج وجنس المنتج والعنوانات الداخلية ..) في مساهمتها في فهم عوالم النص وابعاده الفكرية والانسانية...باستثناء الاهداء الذي خلا من العنونة (الذي فاق كل الملوك.. قال:لنمض معا..) ص5.. (امس اتفقنا في الطريق/امس اختلفنا في طريق/مخلفين ها هنا/وها هناك/في الحالتين/سيدي /حريق)  ص7.. وقد ادى وظيفته بوصفه رابطاً لغوياً بين عدد من قصص المجموعة ..حتى انه صارعنصر إثارة وادهاش..

                                                                          

(كورت نظرات غير مفهومة وأشرت الى رف ذكرياتك وقلت:تشبهين بعضهن..يا للغرابة../وأجبتك وانا أغالب شهقة حارقة: أبدا....انهن أروع مني../ ماذا ؟..لم اسطع ان اكمل..غصت الكلمات في حنجرتي وابتلعت لساني وأنا ألوك جملا.. تخونني شجاعتي باسماعك اياها كما اريد.. وكما تصخب داخلي..ليتني عشت لحظة الاكتشاف كما عشتها معك..ليتنا أخرسنا الاصوات وأغلقنا دائرة الكون على توحدنا..ليتني أمسكت طرف الدوامة وبقيت أدور وأدور الى ما لانهاية..لكنك ابتعدت قبل ان تستكمل شوط الحوار وقبل ان تجعلني أداوي جراح حروف تدوي في رأسي وانت تهمس بلامبالاة: تعالي...

كيف استطيع ان اغادر ذلك الصمت الذي يكبل صوتي حين اراك .. والذي يعذبني حين تبتعد..ويجعل الارصفة تلاحقني بسخرية وهي تراقب بحثي عن بصماتك التي ربما تركتها بين أزقتها وانا اردد بكل هدوء وصمت وخشوع: جئتك منذ زمن..لكنك لم تنتظرني ) ص12 ـ ص13..

   فالمنتجة(الساردة )تكشف عن وجدانياتها..وما يدور في ذهنها لخلق مشاهدها بصياغة فنية تستفز المستهلك(المتلقي)فيسعى الى ادراك المبنى والمعنى للنص واستنطاق ما خلفه من مشاهد  صورية.. تكشف عن معرفة الدلالة والمعنى الكامن خلفها.. كون المشهد النصي يشكل الوعاء الذي يستوعب العوالم السردية(الشخوص والفضاء السردي والزمان والمكان بشقيه(المغلق والمفتوح)..ويعلن عن سموها من خلال الفاظها الموحية الخالقة لها..اضافة الى توظيف الرمز الذي هو(اداة فكرية للتعبير عن قيم غامضة لغرض تصعيد التكنيك السردي..اذ فيه ترتفع التجربة السردية  وتتحول فيها المشاهد الى رؤيا...

(اعتذر السائق عن قبول الافطارمتعللا برغبته في الاسراع بتحميل الحقائب..وهو يتعجلنا..لكن قريبتي لم تهتم لرفضه فزودته بالطعام وقدح الشاي واصرت على ان يتناول الطعام امامها قبل ان نصعد الى السيارة..

رميت نفسي في المقعد الخلفي وبسمة تخفي دموعها عني وهي تلوح لأم عمار التي اجهشت بالبكاء بصوت صارخ...لم تلتفت باتجاهي والشوارع تجري هاربة منا..والسائق يحاول مسابقة وقت بدء الزحام ليغادر حدود مدينة بغداد..

أغمض عيني فيختفي السائق والطريق والحقائب وابنتي..وتصخب الريح بالنوافذ المشرعة..فيما الاشباح تقترب أكثر واكثر واكثر..أتمتم بصوت مخنوق وانا أخلف ورائي مسافاتي ولوعتي ورغبتي بعدم المغادرة: ليته لم يفتح الباب ذلك المساء.)

  فالمنتجة(الساردة) تحقق ذاتها في تكوين عضوي عبر وعي سردي يكشف عن الانحياز للحياة من خلال آلية الشعور بالاثر..فتنتج نصا يقوم على مرتكزين اساسيين: اولهما سردي باستخدام اللغة الوصفية..وثانيهما تعبيري  يكشف عن ذات مازجة ما بين التأمل والتداعي..

    (يمتلىء الهواء بصوت امي وهي تمد رأسها لتكتشف تلاصق كفين بحثا عن رعشة حب ما كان لها ان تستمر بكل ذاك السرمد لولا اختفاء الخوف من تربص السياف الاعمى..

يقف ليسألني: هل اكتفيت؟

 ـ وهل تراني قادرة على اقناع روحي؟

ـ  لاتلتفتي لسياف اعمى واحملي اندلاق السائل الاصفر لترتوي شفاه ذبلت بانتظاره..

ايه يا زمن العنف الاصفر والشفاه المتشابكة والارائك المهشمة بأجساد لا تجد أرائك متلاصقة..

ايه يا زمن البحث عن ذاكرة ترفض تسلل العبيد اليها وتوقف هواجس الخوف المقيت من تطاوله على أجساد استقبلت فكرة الآه المتيقظة بهواجسها..)ص50

    فالنص يمتاز بلغته السلسة الواضحة السهلة الممتنعة.. باعتماد الحكائية  الواعية والرمزية المعبرة بجـمل قصيرة بعيدة بالفاظها عن التقعر والغموض والضبابية..مــع تنوع قائم في طرائق وأساليب السرد وإثرائه  بموضوعات إنسانية اجتماعية  ومعرفية تعبر عما يجيش داخل ذهنية مكتنزة بالافكار  التي تؤكد الارتباط الجدلي بالمكان البؤرة الثقافية المضافة..فضلا عن اعتماد المنتجة(الساردة) على تقنيات فنية واسلوبية  كالاستباق والاسترجاع والتذكر والتكرار الدال على التوكيد والتنقيط(النص الصمت) الدال على الحذف..

    وبذلك نسجت المنتجة(القاصة) عوالم نصية امتازت بلغة سردية ايحائية دون تكلف.. مستفيدة من تقنيات القصة القصيرة دون استغراق في البوح الذاتي الذي يحور شكل القصة (العمل الادبي) الى مناجاة ذاتية..فضلا عن اعتماد الساردة على الوصف الدقيق والتصوير المبدع وبناء العلاقات التعبيرية في اطار مرن قادر على انتاج الأحداث والأنماط وصنع الشخوص ..اضافة الى الكشف عن قدرة استثنائية في توليد  المعاني وقيادة الحوار بشقيه(الذاتي(المنولوجي) والموضوعي(الواقعي) مقررا ارتباطها بالخارج...اضافة الى الزمكانية وسيلتا النص في تعيين المعيار الفني في هذا التشكيل وتحديد مسيرة النص ورمزيته ودلالاته التصوير التي  هي التشكيل الذى يؤدى هذه الأدوار ويقيم الوظائف داخل البناء السردي.. ويطرح الوقائع والمتغيرات التي تنتج عن مخيلة المنتج وتجربته التي يطرحها في دلالات التعبير ووقائع النص.

 

 

 

المشـاهدات 162   تاريخ الإضافـة 19/05/2024   رقم المحتوى 46101
أضف تقييـم