الثلاثاء 2025/5/13 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غيوم متفرقة
بغداد 31.98 مئويـة
نيوز بار
حنان الحاج علي .. مسرح حتى النهاية
حنان الحاج علي .. مسرح حتى النهاية
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علاء الدين العالم
النـص :

في عام 2016، كان العرض الأول لمسرحية "جوغينغ" للمسرحية اللبنانية المخضرمة حنان الحاج علي في بيروت. العرض الذي يتناول حياة امرأة لبنانية أربعينية، عُرض بعد ذلك في عشرات المدن العربية والعالمية، وكان يتطور ويتحاور مع جمهوره في كل عرض له، فهو عرض كما تصفه الحاج علي "قيد التطوير"، أي أنه ينهل من الجمهور مع كل عرض تقدمه.آخر عروض مسرحية "جوغينغ" كان على خشبة مسرح الجامعة اللبنانية في صيدا نهاية الشهر الفائت، إلا أن هذا العرض لم يكن كغيره؛ فرغم أن العرض حقق حضورًا جماهيريًا واسعًا من الطلبة، ظهرت بُعيد العرض بعض الأصوات التحريضية ضد الحاج علي ومسرحيتها، وشحنت بعض المواقع الصحافية المحلية الجو الشعبوي والطائفي، وكل ذلك خلف حجة أن العرض يتطاول على القيم الإسلامية المحافظة.فهل كان العرض كذلك؟ ولماذا، بعد قرابة العقد على العرض الأول، التفت الجمهور اللبناني إلى حساسية عرض الحاج علي، وهي المعروفة بعروضها المسرحية التي تشاكل الشأن العام وتشتبك معه؟

 

عرض مسرحي يزخر بالحياة

 

بين الشخصي والمتخيل، تبني حنان الحاج علي عرضها "جوغينغ"، وهو مونودراما تنطلق فيه من تفصيل واقعي تقوم به يوميًا، وهو الهرولة صباحًا في شوارع بيروت.من هذه الهرولة/ جوغينغ، تجري الحاج علي نحو استقراء حياة النساء في عالمنا العربي، تنتقل من الشخصي إلى الأسطورة، وتعود إلى أسطورة ميديا وفعل قتل الأم للأبناء، وتقف عند فعل القتل هذا، تحاول أن تفهمه، وتسأل: هل يمكن أن تقتل الأم ابنها "مهما تفصحن أوريبيديس والآلهة اللي خلقوه!"تعود بعد ذلك إلى الشخصي، تروي حكايتها كأم، ثم ترجع إلى المتخيل، لكن هذه المرة لن تعود إلى ميديا، بل إلى شخصية جديدة، هي إيفون، أم لبنانية لثلاث بنات، تقرر في لحظة ما أن تنتحر هي وبناتها، ترتب للانتحار وتصوره، وتكثف انتحارها وانتحار بناتها بقولها: "رحت وأخدت بناتي حتى ما يعيشوا العذاب اللي عشته". أما الشخصية الأخيرة، فهي أم أيضًا، لكنها لم تقتل أبناءها كما هي حال سابقتها، إنما الحرب تكفلت بذلك، وحرمتها أبناءها في معارك مختلفة دفاعًا عما يسمى "الوطن".باختصار، تحاكي الحاج علي في "جوغينغ" أقاصيص أمهات في مستويات مختلفة، تنتقل من الأسطوري إلى اليومي، ومن الماضي إلى الحاضر، وتطأ رحاب الفضاء العام من عتبة الفضاء الخاص الحميمي الذاتي، بدون تقديم أي مشهد أو ملمح يتطاول على القيم الإسلامية أو أي ديانة أخرى.جعلت الحاج علي من ذاتها نواة لباقي الشخصيات (ميديا، إيفون، الأم)، منها تنطلق وإليها تعود، مونودراما مسرحية تلعبها الممثلة اللبنانية باقتدار، وبجهد جسدي هائل، وحركة مسرحية حية، تمايز فيها الحاج علي بين شخصياتها، وتنتقل بخفة بين الذاتي والتخييلي، الآن/ وهنا.زد على ذلك، انفتاح العرض على المتلقي، ودفعه إلى التفكير في حال النساء في عالمنا العربي، وفي لبنان على وجه التحديد.ليست "جوغينغ" من أنواع المسرحيات التي يخرج منها المتلقي كما دخل. تعمل الحاج علي من خلال مسرحيتها على حثّ المشاهد على تأمل الحال والتفكير فيها. تدفع المسرحية المتلقي إلى التفاعل الفكري والفعلي، حتى أداء الحاج علي، وتحولها بين الشخصيات، يحثّ المشاهد ويستفزه بالمعنى الإيجابي للكلمة. وفي صدد الأداء، تجدر الإشارة إلى أن صاحبة "جنينة الصنايع" تقدّم في عرضها هذا باقة متنوعة من الأداء المسرحي، وتنتقل ببراعة الممثلة المخضرمة بين التمثيل الواقعي النفسي حد الصدق، وبين الأداء اليومي، وتلعب بخفة في تلك المساحة الصعبة بين الإيهام والتفاعل.

 

شعلة لا تخمد

 

"جوغينغ" ببساطة مشوار يومي لحنان الحاج علي التي تقوم بالرياضة كل يوم صباحًا؛ الرياضة والمسرح هما الأمران اللذان يساعدانها على المقاومة. حنان الأنثى، الممثلة، الزوجة، المواطنة، والأم. مشوار تتم خلاله محاورة الذات، ومحاورة الذات مع المدينة وتحولاتها الهمجية... هو فعل يومي تبدأه حنان المواطنة في شوارع بيروت، لتُنهيه حنان الممثلة على خشباتها، أو العكس.تنتمي حنان الحاج علي إلى جيل عاش تجربة مكثفة مع المسرح بين الحرب والسلم، وشاكلت الجمهور اللبناني والعربي والعالمي عبر عشرات الأعمال المسرحية، سواء تلك التي كانت بالشراكة مع شريكها المخرج المسرحي الكبير روجيه عساف، مثل "بوابة فاطمة" و"جنينة الصنايع"، أو الأعمال التي شاركت فيها كممثلة ومخرجة. إلا أن الإضافة في عمل الحاج علي أنها انخرطت في الشأن الثقافي العام، عبر العمل في الثقافة المستقلة وتعزيزها.ولربما كان هذا الانخراط في الشأن الثقافي العام، والاتصال الدائم مع الجمهور بطبقاته المختلفة، هو ما دفع الحاج علي لصنع مسرحية تخلق حالة خاصة من التلقي مع كل عرض لها، وذلك ما ذكرته في لقاء جمعنا سابقًا:"دائمًا ما فاجأني عرض 'جوغينغ' بحالة تلقيه، سواء داخل لبنان أو خارجه، في دوائر المتن أو في الهامش، في المركز أو في الأطراف. كل جمهور (بكل حي، جامعة، مخيم، مسرح) وجد فيه الشخصي الذاتي من جهة، ومن جهة أخرى هناك طرح عام يحاكي كل إنسان في كل زمان وكل مكان، فبقدر ما هو خاص ومحلي، بقدر ما هو عام وإنساني شامل".

 

مسرح قيد التطوير... مسرح قيد الحرية

 

تتذيل عبارة "مسرح قيد التطوير" عرض "جوغينغ"، وهناك خلط يحصل بين "عرض قيد التطوير"، و"مسرح قيد التطوير"، ومسرحية "جوغينغ" هي مسرح قيد التطوير، وليست مسرحية تُضاف عليها أشياء وتتطور من عرض لآخر. وفي سؤال الحاج علي عن معنى "قيد التطوير"، تجيب بأن "المسرح قيد التطوير، وهو مسرح قيد الحرية".أي أن المسرحية، مع كل عرض مسرحي لها، تفتح نافذة مع الحرية، نافذة للمؤدية والمتلقي على حد سواء. كما أن عبارة "قيد التطوير" تحصّن العرض المسرحي أمام الرقابة، إذ إن فكرة وضع العرض قيد العمل تجعله ضمن صيرورة، والرقابة دائمًا بحاجة إلى عمل منجز لتحكمه رقابيًا، لا عمل قيد الإنجاز، وذلك ما أرادته الحاج علي:"أردت مساءلة كل جهاز الرقابة بكافة تنوعاته وتمظهراته، فكيف لرقابة أن تتم على شيء قيد الخلق، قيد التطوير الدائم؟! وهل بمقدور الرقابة، المرتبطة دائمًا بالثبات (نص مطبوع، صورة فوتوغرافية... إلخ)، أن تتمكن من رصد عرض دائم الحياة والتطور؟ هل يمكنها أن تراقب ما ليس بين يديها بعد؟ بالطبع لا". ولعلّ ذلك ما تفعله الفنون الحية دائمًا بلعبتها مع جهاز الرقابة الحاضر دومًا.وربما كانت نافذة الحرية هذه التي فتحتها الحاج علي في عرضها في الجامعة اللبنانية مؤخرًا، هي التي أثارت حفيظة الشعبويين والطائفيين والصائدين في الماء العكر.وتحت عنوان "حنان الحاج علي تقدّم عرضًا مسرحيًا يثير الجدل"، نشرت إحدى الصفحات هذا الخبر التحريضي، من دون وجود أي تفاصيل أو مقال صحافي حول ما أثار حفيظة الجمهور.على العكس تمامًا، فالصور التي تجمع طلاب الجامعة وحنان الحاج علي بعد المسرحية كانت دليلًا على أن العرض حقق حضورًا ونجاحًا وتفاعلات، ونعم، أثار حفيظة المتلقين، لكن الحفيظة الفكرية، وحفز المتلقين والمتلقيات الشباب على التفكير في واقع المرأة في بلادنا وحكاياتنا، وشاكلَ الجمهور في أسئلته وهواجسه. وفي الوقت الذي تبخرت فيه الدعوات التحريضية على الحاج علي ومسرحيتها، بقي أثر عرض "جوغينغ" في الجامعة اللبنانية بين طلبتها.في السادس من الشهر الحالي، عرضت حنان الحاج علي مسرحيتها "جوغينغ" على خشبة مسرح دوار الشمس في بيروت، وبذا تعود حنان إلى خشبة مسرح لطالما عرضت عليه وساهمت في استمرار عمله إلى اليوم، بعرض تقدمه منذ عشر سنوات بشكل دوري ومستمر، وهي الخشبة التي لم تهجرها يومًا، بل كانت دومًا مساحتها الأثيرة التي قدّمت عليها قولها المسرحي الحرّ.

المشـاهدات 65   تاريخ الإضافـة 12/05/2025   رقم المحتوى 62814
أضف تقييـم