الأربعاء 2025/5/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
غائم جزئيا
بغداد 36.13 مئويـة
نيوز بار
420 دقيقة في بغداد
420 دقيقة في بغداد
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

بسمة شيخو

 

 

 أول ما أبصرته من شرفة فندق المنصور، هو دجلة، شعرت بحزنٍ غريب وأنا أراقبه،

لابد وأنه  يحمل دموع العراقيين منذ سنين على ظهره ويمضي بها، دجلة غزير الماء ومالحه، عرفت ذلك من النظرة الأولى.

بدأت زيارتي الرّسمية لبغداد  بفنجان قهوة في "قهوة وكتاب" في شارع الكرّادة دخلت المقهى بعد أن تمشيت قليلاً في هذا الشّارع، وشربت فنجاناً لن أنساه أبداً.

سيراً على الأقدام وصلت شارع أبو نواس ترنّحت قليلاً هناك، ودرت حول نفسي عدة مرات، وأذكر أنني طرت بشهادة صديق قريب، أقسم أنّه لوّح لي لأنزل، وبمجرد ما لمست قدماي الأرض أمسك يدي لئلا أتوه في سماء بغداد.

ربما هذا بفعل ريح خمرة أبو نواس، تمنح الزوّار نشوة الشارب مع الخطوات الأولى فقط في هذا الشّارع، مشيت أسند دجلة إلى كتفي الأيسر، وأسند الشّعر بكتفي اليمنى، لاعبت حصاة بقدمي، كنت أركلها كلاعب كرةٍ مبتدئ، أذكرها جيداً، وإن عدت لبغداد يوماً سأجدها وأميّزها من بين المئات، وأراهن أنها تنتظرني.

هناك لمحني شهريار، سرت إليه من تلقائي وحكيت له حكاية لم أكملها كعادتي، لأنجو من سيفة، لكن شهرزاد لحقت بي وحاولت قتلي.

لليوم أكمل خطواتي في شارع ابي نواس وأنا أسير في دمشق.

أما شارع المتنبي فالأمر هناك مختلف تماماً، من بوابته الشاهقة تدخل لعصرٍ سابق، تفتح باباً وتصير في بغداد القديمة، بأبنيتها وطرازها المعماري الخاص، ومقهى الشابندر يكمل المهمة ويريك ألبومات الصور العتيقة، فتنسى كوب الشاي فيبرد في استكانته، تلتصق بالجدران، من فوق أكتاف رواد المقهى، تحاول أن تصطاد صوراً لأسماء تعرفها، وأزمنةً تتمنى لو ترجع يوماً .

عند نهاية هذا الشارع يقف المتنبي هناك، يرفع ذراعه يدلنا على شيء ما كما يفعل في معظم أشعاره، لكننا لا ننتبه إلا للصورة بقربه.

الرّصافي يقف بالقرب من شارع المتنبي في منتصف ساحة  صغيرة هناك.

واسم الرصافي أعاد لي شعور الفرح الذي انتابني وأنا أتمشّى فوق الرصافة وأبصر الكرخ مقابلي، وكأن هاتين المنطقتين خرجتا من أغنية "مالي شغل بالسوق" الأغنية التراثية التي غناها كثر منهم حسين نعمة وإلهام المدفعي وأظنّ أنها عرفت عربياً من خلاله .

وفاضل عوّاد أيضاً  له أغنية بعنوان "أرد أنشد الصوبين كرخ ورصافة"، تحقق الحلم وعبرت الجسر بينهما وسرت في طرقاتهما.

بغداد عاصمة الشّعر ليس بسبب كثرة شعرائها وبراعتهم، بل لأنها مدينة تحتفي بالشعر والشعراء، شوارعها بأسماء شعراء، تماثيل الشعراء متوزّعة في المدينة، الأشجار هناك تقول شعراً والنخل العالي.

 حتى في عالم التشكيل فأظن أن بغداد من المدن القليلة التي تقصدها وتطلب أن ترى جداريتين تشكيليتين فيها، جدارية فائق حسن التي أعرفها جيداً من خلال الصّور وأعرف عدد الحمامات البيضاء داخلها، وجدارية الحرية لجواد سليم  المكان هناك مليء بالمصورين والزوّار، هي فرصة أن تخلد لحظة وجودك مع عمل فني بهذا العمق والأهمية.

أما المفاجأة التي فاجأتني بغداد بها وأخبرتني بها على لسان شاعرٍ صديق، وهي أن تراب بغداد يحضن رفاة صوفيين أحبّهما:

أولهما حلاج الأسرار الحسين بن منصور، الذي صلب وأحرق، وما نجا من جسده بقي في بغداد، هناك حيث زرته وسلّمت عليه.

والثاني شهاب الدين عمر السّهروردي  الذي حصل على  نهاية مشابهة لنهاية الحلّاج، لسببٍ مشابه، مررت بمقامه سريعاً وأوصلت سلاماً أحمله في قلبي من محي الدين بن عربي الذي يسكن دمشق، يرسله لكل من يوقن أن الله محبة فقط.

ولم أرض لهذه الزيارة بأن تنتهي دون حضور أمسية شعرية، أقامها بيت الشعر العراقي والتقيت هناك بأجمل شعراء وأدباء ونقّاد العراق .

زيارتي لبغداد كانت سبع ساعات  420 دقيقة 25200 ثانية، غادرتها وأنا واثقة بأني سأعود يوماً لحضنها، غادرتها دون خوف مثل سندبادٍ بغدادي لا يخاف مهما تكثر الأخطار ويبعد عن بغداد.

 

هامش:

في السفارة العراقية في دمشق، أطلت النّظر إلى خريطة العراق الموجودة في صدر فسحة الاستقبال، بشكل أثار فضول الجالسين، مررت بالمحافظات جميعها، لكن الغريب أنني لم أر الفرات حينها إلا خيطاً  متيناً، يدرز العراق مع سوريا يجمعهما لئلا يفترقا.

بعد أيام ركبت أمواج الفرات عند شط الحلة، تقصدت لمس سطحه كان نسيجاً أزرق متين لن يمكن أن ينقطع أبداً.

المشـاهدات 23   تاريخ الإضافـة 14/05/2025   رقم المحتوى 62880
أضف تقييـم