النـص :
شهدت العاصمة بغداد مؤخرًا حادثًا مؤسفًا تمثل في اندلاع حريق كبير داخل فندق “قلب العالم” في منطقة الجادرية، ما أثار موجة من التساؤلات حول الجهة التي تتحمل المسؤولية القانونية عن هذا الحدث، في ظل ما يبدو من تقصير واضح في الإجراءات الوقائية والتعامل مع الكارثة.من الناحية القانونية، يُعد الحريق من الأفعال الضارة التي قد تُرتّب مسؤوليات مدنية وجزائية، سواء بالنسبة لمالكي المنشأة أو إدارتها أو حتى الجهات الرسمية التي تُعنى بالرقابة والترخيص. وينبغي في هذا السياق التمييز بين المسؤولية المدنية التي تهدف إلى تعويض المتضررين، والمسؤولية الجزائية التي تُعنى بمحاسبة الفاعل أو المقصر جنائيًا.في ما يخص المسؤولية المدنية، فإن مالك الفندق أو مشغّله يكون ملزمًا بتعويض كل من تضرر من الحريق إذا ثبت أن هناك إهمالًا أو تقصيرًا في اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع وقوعه. ويشمل هذا الإهمال عدم توفير أجهزة الإنذار، أو غياب نظام الإطفاء التلقائي، أو غياب خطط الطوارئ. كما أن علاقة الفندق بالنزلاء تندرج ضمن ما يعرف بعقد الإيواء، وهو عقد يرتب التزامًا ضمنيًا بتوفير السلامة الجسدية والمادية للنزلاء، مما يعزز من نطاق المسؤولية على الفندق عند الإخلال بهذا الالتزام.أما على المستوى الجزائي، فإن القانون يعاقب كل من يتسبب بإهماله في نشوب حريق يُفضي إلى أضرار جسيمة، حتى وإن لم تكن هناك نية إجرامية. وتشتد العقوبة في حال وقوع وفيات أو إصابات خطيرة أو أضرار واسعة في الأموال، ما يعني أن مديري الفندق أو العاملين فيه قد يُسألون جزائيًا إن ثبت وجود إهمال جسيم أو تقصير في إجراءات السلامة.ولا يمكن الحديث عن هذه الحادثة بمعزل عن مسؤولية الدولة، وتحديدًا الجهات الرقابية مثل الدفاع المدني والبلدية. فإذا كانت هذه الجهات قد قصّرت في أداء دورها الرقابي، أو منحت الترخيص من دون التحقق من توافر شروط السلامة، فإن المسؤولية الإدارية تُطرح بقوة، بوصفها شكلاً من أشكال الإهمال الوظيفي الذي قد يُفضي إلى تحميل الدولة مسؤولية تضامنية أو تبعية.كما أن الأضرار الناتجة عن الحريق لا تتوقف عند الخسائر المادية في المبنى ومحتوياته، بل قد تشمل أيضًا الأضرار المعنوية للنزلاء، والإضرار بالسمعة السياحية للمنطقة، ما يزيد من أهمية التحقيق الشامل وتحديد المسؤوليات بدقة.وإذا ثبت أن النزيل هو من تسبب بالحريق، فإن ذلك يُغيّر من وجهة المسؤولية القانونية، سواء المدنية أو الجزائية.فعلى المستوى الجزائي، إذا تبين أن النزيل تعمّد إشعال الحريق، أو تصرف بإهمال جسيم أدى إلى وقوعه، فإن فعله يُعد جريمة، يُعاقب عليها وفقًا لأحكام قانون العقوبات العراقي. وفي حال أدى هذا التصرف إلى وفاة أشخاص أو إصابتهم، فإن العقوبة قد ترتفع لتصل إلى الحبس الشديد أو السجن، بحسب جسامة الفعل ونتائجه. أما إذا كان الفعل غير عمدي، لكنه ناشئ عن رعونة أو عدم احتياط، فإن المسؤولية الجزائية تظل قائمة، لكنها تأخذ طابع الخطأ غير العمدي.أما على الصعيد المدني، فإن الفندق أو المتضررين الآخرين يحق لهم الرجوع على النزيل المتسبب للمطالبة بالتعويض عن كل ضرر مباشر تسبب فيه فعله. ومع ذلك، يبقى الفندق مسؤولًا جزئيًا أمام بقية المتضررين إذا ثبت تقصيره في الإجراءات الوقائية أو في الاستجابة للطوارئ، ما قد يُرتب مسؤولية تضامنية بين الفندق والنزيل، على أن يُمارس حق الرجوع لاحقًا لتوزيع نسب المسؤولية بحسب درجة الخطأ.إن حادث فندق قلب العالم يسلط الضوء على أزمة أعمق تتعلق بضعف ثقافة السلامة العامة، وعدم الجدية في الالتزام بأنظمة الوقاية من الكوارث. ويستدعي هذا الحادث ضرورة إعادة النظر في أساليب منح التراخيص الفندقية، وتعزيز الرقابة الوقائية، وتفعيل برامج التدريب الإجباري للعاملين في المرافق السياحية، إضافة إلى دعم فرق الإطفاء تجهيزًا وتأهيلاً.في الختام، تقع المسؤولية القانونية في مثل هذه الحوادث على أكثر من طرف، ولا ينبغي أن تُختزل في جهة واحدة. فالتقصير في السلامة هو تقصير مشترك، يتوزع بين المالك والمشغّل والجهات الرسمية، وكل حسب دوره وحدود واجباته القانونية. المطلوب اليوم ليس فقط تعويض المتضررين، بل وضع خطة وطنية شاملة للوقاية من الكوارث وضمان عدم تكرارها.
|