السبت 2025/5/31 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 37.95 مئويـة
نيوز بار
ملاحظات عامة على كتاب ((مهزلة العقل البشري))
ملاحظات عامة على كتاب ((مهزلة العقل البشري))
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علي الشرع
النـص :

 

 

 

هذا الكتاب قد كنت قلبته سابقاً، ولم يعجبني بعد أن رأيت ان التحليل فيه لا يضيف شيء جديد للمعرفة. ولم يعيدني للاطلاع عليه مرة أخرى سوى تعليقات جرت بيني وبين شخص من المقربين لي حول تولي مناصب معينة في احدى المؤسسات المهمة بتدخلات من اطراف سياسية، حيث قلت له اذا حدث هذا فعلاً فلنقرأ السلام على هذه المؤسسة، فردّ قائلاً انها "مهزلة العقل البشري".  فانتبهت لوجه الربط بين عنوان هذا الكتاب والتنصيب الذي جرى في تلك المؤسسة، وكان هذا هو السبب في عودتي لقراءة هذا الكتاب. وبعد أن قرأت نسبة كبيرة من صفحات الكتاب سجلت هذه الملاحظات العامة عليها التي يمكن ان تنطبق على جميع كتبه التي تدور على نفس الموضوع مثل وعاظ السلاطين ولمحات اجتماعية...الخ، وتوقفت عن قراءة بقية صفحات الكتاب، واكتفيت بالنظر الى ما تبقى من عناوين في محتوياته لكونه متشابه في الطرح كلما انتقلت من فصل الى اخر. وواضح ان الوردي -كونه متخصص في علم الاجتماع- يريد تفسير سلوك العراقيين خاصة والمسلمين والعلماء عامة وكشف أخطاء التعامل فيما بينهم وموقفهم إزاء التطور والتقدم، وهو يركز اهتمامه على اهل العراق، فلو سمّى كتابه "مهزلة العقل العراقي" لكان عنواناً اكثر دقة للتعبير عن محتواه.ولابد ان نعلم ان الوردي مؤلف كتاب مهزلة العقل البشري هو استاذ متخصص في علم الاجتماع وليس منظّراً، والفرق بينهما معلوم، فالمتخصص في علم معين ليس بالضرورة ان يكون منظّراً فيه بينما المنظّر هو متخصص في العلم، فالأول هو ادنى مرتبة من الثاني. والرجل على كل حال ليس مؤرخاً كما يرى ذلك الشخص المقرّب لي بل هو يسعى من خلال التتبع التاريخي للحوادث اكتشاف القوانين التي تحكم الظاهرة الاجتماعية في المجتمع حتى يحذو حذوه الاخرون في البلاد العربية الأخرى فيكون لديه منهج مبتكر مثلاً، ولكنه لم يفلح في ذلك. فلم تكن هناك اية إضافة لنظرية علم الاجتماع في جميع كتب الوردي، فتفسيراته عبارة عن أوهام تدور في ذهنه على أساس انه باحث موضوعي متجرد من التحيز بينما الحقيقة أن تفسيراته لا تستند الى نظرية موجودة او صاغها هو بناء على افتراضات محددة ولولا ذلك لقبلناها ولا نعترض عليه، لكن لم نر في كتبه لا الافتراضات ولا محتوى النظرية، وهذا هو الخلل والثغرة القاتلة في كتبه. وهذه هي الملاحظات العامة التي سجلتها على الكتاب، لكنه غير مستوفية لجميع ما تم التطرق له من مواضيع في الكتاب حيث ركزت على الأهم منها:اولاً. ان عنوان الكتاب ليس مناسباً وهو مضلل، والاحرى تسميته بـ (مهزلة الهوى البشري)؛ لأن العقل دائما يدفع بصاحبه الى الصواب، بينما الهوى يوقعه في الأخطاء ويدفعه الى المنزلقات. والوردي يستشهد ويحلل حوادث ناشئة كلها عن الهوى وليس العقل. ولو خصصه اكثر لقال (مهزلة الهوى لدى العراقيين)؛ لأنه ذكرنا قبل قليل ان الكتاب بل المشهور من كتبه تركز على المجتمع العراقي.ثانياً. ان ما يذكر في الكتاب قد قاله امير المؤمنين عليهم السلام في كلماته والائمة عليهم السلام والحكماء، وهو قدمه بأسلوب تحليلي وأثبت ما قالوه وايده عن طريق الأمثلة او اراء الكتاب المعاصرين من المتخصصين، ولكنه جهد مهم لا يمكن ان يُنتقص منه. ثالثاً. يترك الكاتب والكتاب القارئ في منطقة ذات نهايات مفتوحة مما يجعل القارئ غير الخبير يقع في حيرة قد تدفعه الى أن يتخذ مسارات من التيه والانسلاخ من قيمه وتقاليده، ففيه نكهة من التضليل العقائدي والجرأة على العلماء والدين والازدراء لهم ويلقي اللوم عليهم كأنهم هم السبب في تخلف الشعوب العربية والاسلامية، الى جانب الانحياز الواضح الى الدنيا بدعوى التقدم والتطور مما يجعل القارئ يبتعد عن اعمال الاخرة والسعي لها - التي هو بعيد عنها في الاصل ويركز على اعمال الدنيا- وينتهي به الامر الى ان يكون عبداً لأصحاب الأموال والظلمة لا ثائراً ضد الظلم والاثرة والتوزيع غير العادل للثروات كما يريد أن يصنع منه الوردي.رابعاً. الوردي يساوي بين دفاع علماء وكتّاب الشيعة وهجوم علماء وكتّاب السنة ويضعهم على صعيد واحد، وهو يظن ان السجال التاريخي بينهم هو هجوم من الطرفين ابتداء، وهذا ليس بصحيح. فعلماء السنة هم من يبدأوا الهجوم حتى يبرروا للأشخاص الذين ازاحوا علي عليه السلام عن حقه في الحكم بعد ان وجدوا ان مكانة علي عليه السلام هي اعظم في الروايات من هؤلاء فكيف تولوا الحكم وابعدوه؟! وهنا يأتي دور الشيعي ليرد عليهم كردة فعل وليس ابتداء. فهدف الشيعي هو تبيان تضليل هؤلاء للناس وحفظ مكانة علي عليه السلام وليس هدفهم شق عصا المسلمين كما يفهم الوردي خطأ. خامساً. انه يركز على طرف واحد من الحياة والحضارة وهو الجانب الدنيوي وكيف ان التطور المادي يتحقق بتجاوز الخلافات العقائدية ونسيانها ووضعه جانباً، والحق ان توحيد الجانب العقائدي مهم حتى يواجه المسلمون اعدائهم وخصومهم وهم موحدون على عقيدة واحدة، ولن يتمكنوا من النهوض اذا لم يتوحدوا. واذا تطورنا مادياً واستخدمنا التكنولوجيا الحديثة لكن من دون أساس عقائدي فسوف ينتهي امرنا الى الخراب. ولو كان الوردي حياً لحد الان لرأى بعينيه كيف ان الناس طبقت نصيحته بحذافيرها وانكبت على منصات التواصل الاجتماعي -وهي تمثل قبس من حالة الانغماس في التطور- التي دمرت حياة الناس ونغصت عليهم النعمة والنعيم الذي يعيشون فيه، والسبب هو ان الناس صاروا بعيدين عن الالتزام العقائدي ويعيشون في حالة خواء ولن نفرق بينهم وبين الحيوانات اذا استمر الوضع على هذا وانتقل من السيء الى الاسوأ.فالوردي كان يقصد من كتبه محاولة تحديث المجتمع من خلال تخليصه من القيود الدينية والأعراف الاجتماعية (الإيجابية) ظنا منه ربما ان تخلصيه من تلك القيود سيجعل المجتمع يركب مسار التطور. سادساً. لقد قدم الدكتور علي الوردي على طبق من ذهب تحليلاً للشخصية العراقية وتبيان الثغرات التي يمكن ان تتسلل منها جهات معادية للعراق واستخدامها للتدخل في شؤوننا، وهذا يُعد خرق للامن القومي. واذا توفر احد من الباحثين لاثبات صحة هذا الاستنتاج حتى يكون لنا رأي اخر في الرجل، ونفهم سبب اصراره الشديد على حل عقد تماسك المجتمع من خلال الدعوة الى الانحلال الاجتماعي والابتعاد عن الدين بحجة التخلص من التخلف. ان كتب الدكتور الوردي ومنهجه تحتاج الى قراءة واعية جديدة حتى نقيّم إنجازه.

المشـاهدات 194   تاريخ الإضافـة 29/05/2025   رقم المحتوى 63469
أضف تقييـم