النـص :
لا شك أن الانتخابات سواء أكانت محلية أم برلمانية أم انتخابات اتحادات ونقابات وغيرها شيء حضاري ومشروع وهي تعبر على الديمقراطية والشفافية في وصول من يحضون بثقة الناخبين إلى المراكز والمناصب التشريعية والتنفيذية والإدارية. وكل من يسعى للترشح للانتخابات يضع شعارات ووعود يدعي أنه سيحققها حال فوزه، سواء أكان صادقاً في ادعائه أم كاذباً فيه. ومن طرائف القصص الشائعة في أوربا عن فلاح وقع أمامه حادث انقلاب حافلة تحمل نواباً في البرلمان، وجاء المحقق يستقصي عن الحادث فسأل الفلاح عن الحادث ومصير الركاب فقال له الفلاح: إنه دفن النواب جميعاً، فسأله المحقق: هل تأكدت أنهم ماتوا بالفعل؟ فرد الفلاح، بعضهم قال إنه حي، لكن من يُصدق السياسيين؟! ويروى أيضاً أن تشرشل رئيس وزراء بريطانيا شغل الذي شغل المنصب مرتين في اربعينيات وخمسينيات القرن الماضي كان في يوم من الأيام في صحبة أحد أركان حربه فمر بجوار قبر مكتوب عليها هنا يرقد الرجل الصادق والسياسي العظيم، فضحك تشرشل فسأله مرافقه عن سبب ضحكه، فرد تشرشل قائلاً: أول مرة أرى قبر به اثنان، فقال له المرافق: إنها شخصية واحدة، فقال تشرشل: لا أظنه صادقاً طالما هو سياسي!! فقلما تجد مرشح يصدق في شعاراته ووعوده الانتخابية!! وفيما مضى وتحديداً في عام 2006 وما بعدها كانت شعارات ووعود المرشحين الانتخابية في العراق ذات طابع طائفي وقومي، فخلال فترات الطائفية كان خدمة المذهب والعمل للطائفة هي الوسيلة لدفع الناخبين للانتخابات وتوجيههم للمشاركة فيها من قبل كل مرشحي كل الطوائف، كما كان للقومية نصيب من ذلك فالشحن القومي هو الآخر لعب ولا يزال يلعب دوره في دفع أبناء قومية ما للانتخابات لتحقيق المصالح على هذا الأساس- أي على الأساس القومي، لكن لما ضعف -على الأقل في الفترات الأخيرة- دور هذه الأمور في توجيه الناخبين للانتخابات ودفعهم إليها نتيجة ازدياد الوعي لدى الجماهير، فلم يبقى إلا استغلال حاجة الناس وخصوصاً الشباب العاطل عن العمل للوظيفة والتعيين في ظل البطالة المتفشية خصوصاً بين الشباب الخريج، التي تزداد نسبتها سنة بعد أخرى، فجامعاتنا الحكومية والأهلية تخرج ربع مليون خريج سنوياً حسب احصائيات وزارة التخطيط العراقية، وإزاء العجز الحكومي الواضح عن توفير فرص عمل من خلال تفعيل القطاع الخاص لا سيما وأن القطاع الحكومي قد وصل حد التخمة والتضخم الكبير في عدد موظفيه الذين تجاوز عددهم الأربعة ملايين وهو رقم كبير جداً بالمقارنة مع عدد سكان العراق، هذا العدد الكبير من الموظفين لا يوجد في دول يفوق عدد سكانها سكان العراق بأضعاف مضاعفة!! ومع هذا يحاول الكثير من المرشحين استغلال حاجة الشباب للعمل والوظيفة فيتم بإغرائهم بالوظائف والتعيين الحكومي وتوفير العمل، أو تسجيل اسمائهم ضمن الرعاية الاجتماعية، وهم يعلمون علم اليقين أن الدولة لا تستطيع التوظيف أو التعيين مستقبلاً إلا على قدر الحاجة الفعلية، فحتى الخريجين المشمولين بالتعيين المركزي كخريجي الطب والمهن الصحية وخريجي معاهد النفط وحملة الشهادات العليا ممن شرعت قوانين تفرض على الحكومة تعيينهم مهددون بإيقاف التعيين المركزي لا سيما بعد التضخم الكبير في خريجي بعض الكليات كالصيدلة وطب الأسنان نتيجة الإقبال الكبير على الدراسة في هذه التخصصات داخل العراق وخارجه مما سبب تخمة في عدد خريجي هذه الكليات. لذا فإن الشعارات القائمة على التعيين والتوظيف هي شعارات كاذبة تخالف الواقع على الأقل بالمدى المنظور في ظل اعتماد الدولة على النفط بما لا يقل عن 90% بكونه المصدر الأساسي في الإيرادات العامة للدولة، لذا فلا بد للمرشحين إن كانوا صادقين ويسعون للعمل لمصالح أبناء الشعب كما يدعون أن تكون شعاراتهم وبرامجهم الانتخابية واقعية تعكس طبيعة الظروف الاقتصادية والمالية التي يمر بها البلد تسعى لتنمية اقتصاد البلد وتنويع مصادر الدخل للدولة من خلال العمل على تفعيل القطاعات المشلولة أو المتوقفة أو التي تعاني من مشاكل كبيرة لغرض دعم الاقتصاد الوطني وتوفير فرص عمل للشباب العاطل، ويقف في مقدمة هذه القطاعات قطاعات الصناعة والزراعة والسياحة وقطاع الخدمات، هذا إذا كان هناك برامج لهؤلاء المرشحين، وكان همهم خدمة الوطن وأبناءه لا خدمة مصالحهم ومنافعهم الشخصية والحصول على الامتيازات الممنوحة بصورة قانونية لعضو مجلس النواب أو لعضو مجالس المحافظات والأقضية، ناهيك عن الطرق غير المشروعة في الحصول على المكاسب والأموال من خلال عضوية هذه المجالس، أخيراً ينبغي أن تكون شعارات ووعود مرشحي الانتخابات وبرامجهم تستند إلى الواقع المعاش لا تقوم على الوهم والوعود الكاذبة.
|