
![]() |
ميكي 17.. السينما الكورية الجنوبية ونقد الرأسمالية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
سمير رمان
المخرج الكوري الجنوبي، بونغ جون هو، ليس مجرد نجم صاعد، بل إنّه "عملاقٌ أحمر" بكلّ ما للكلمة من معنى، إذ أصبح فوزه بجائزة الأوسكار ومضةً ساطعةً أذهلت العالم عشية اندلاع جائحة كورونا. وكان فيلمه الحائز على جائزة الأوسكار "الطفيلي/ Parasite"، مثله مثل منافسه المتميز فيلم "Joker"، بمضمونهما، بمثابة اقتباسات دقيقة للأحداث المخيفة التي شهدها العقد الحالي.وبعد أقلّ من عامين من فيلم "الطفيلي"، عُرض مسلسل "لعبة الحبّار/ Squid Game"، للمخرج الكوري هوانغ دونغ هيوك، ليحقق بدوره نجاحًا غير مسبوق في عالم الفنّ. بالإضافة إلى بلد الإنتاج، يشترك العملان في نقدهما اللاذع للنظام الرأسمالي. إنّها لمفارقة غريبة: فالمبدعون من سيئول يتحدثون عن عيوب النظام الرأسمالي أكثر بكثير من حكّام بيونغ يانغ (كوريا الشمالية) الشيوعيين.ويعد بونغ جون هو مؤسّس هذه الموجة الجديدة في بداية القرن الحادي والعشرين الحالي. علاوةً على ذلك، لم يهاجم المخرج النظام الرأسمالي الظالم فحسب، بل أيضًا هاجم مشتقاته وأذرعه المختلفة، فنالت الشرطة قسطًا وفيرًا من النقد في فيلم "ذكريات القتل والأمّ"، ووصل به الأمر إلى شجب الشركاء الأميركيين في فيلم "غزو الديناصور"، وكذلك طاول نقده البورجوازيين الجشعين الذين لا يرفّ لهم جفنٌ وهم يدمرون الطبيعة في سبيل تحقيق الأرباح (فيلم "أوجكا").منذ عام 2022، أصبح معلومًا أنّ المخرج سيتولى مهمة تحويل رواية الخيال العلمي "ميكي 17" للكاتب إدوارد أشتون (2022) إلى فيلم. صحيح أنّ عمليات التصوير استغرقت وقتًا أطول من اللازم، وخشي كثيرون أن لا يصل المشروع إلى الشاشات أبدًا، وأن يظلّ عالقًا في جحيم الإنتاج. ولكن هذا لم يحدث، فقد وصل "ميكي 17" إلينا اليوم.الفيلم من أفلام الخيال العلمي، والكوميديا السوداء، يقوم بدور البطولة فيه الممثل روبرت باتينسون، إلى جانب نعومي أكي، ستيفن بون، توني كوليت، ومارك روفالو. وتدور أحداثه في عام 2054، ويحكي قصة ميكي بارنز، وصديقه تيمو، اللذين انضمّا إلى طاقم سفينة فضائية متجهة لاستعمار كوكب "نيفلهايم" الجليدي، هربًا من قاتل لا يرحم. يصبح تيمو طيارًا في مكوك الفضاء، بينما ينضم ميكي إلى مشروع "شخصٍ قابل للاستهلاك يمكن الاستغناء عنه"، وهو مشروعٌ غير قانوني أوكل تنفيذه إلى امرأة قاتلة. في كلّ مرة يموت فيها "الشخص القابل للاستهلاك" يتمّ إنشاء نسخة جديدة منه تتمتّع بذكرياتٍ يمكن استعادتها بعد كلّ حالة وفاة. لقد تمّ حظر تقنيات الاستنساخ البشري على كوكب الأرض، ولكن ذلك الحظر لا ينطبق على البعثات الفضائية، ولذلك ينضمّ السيناتور والممثل كينيث مارشال (الممثل مارك روفالو) إلى البعثة الفضائية هذه. للوصول إلى هدفه، يحتاج السيناتور إلى أحد الأصول القابلة للصرف، فيجد ضالته في ميكي بارنز (الممثل روبرت باتينسون). في كلّ مرة (17 مرّة على التوالي)، وبعد أن يموت الرجل أثناء طلعاته الجوية، يتم نقل وعيه إلى جسدٍ جديد تم إنشاؤه من النفايات العضوية. في إحدى المرات، يتمكن الطيار من البقاء على قيد الحياة، وعند عودته إلى القاعدة يكتشف استنساخه في مقصورته.الفيلم هزلي سياسي لاذع مغلّف بلمسة من الخيال العلمي. عند قراءة النصّ، يتبادر إلى الذهن أنّه فيلم مشابه لأفلام مثل فيلم "مثلّث الحزن/ Triangle of Sadness" للمخرج روبن أوسلوند، وفيلم "الجادّة الخامسة/ Avenue 5"، للمخرج أرماندو إينانوتشي، ولكنه لا يشبه بأيّ حالٍ من الأحوال فيلم "Avatar/ آفاتار"، للمخرج جيمس كاميرون، أو فيلم "Edge of Tomorrow"، للمخرج دوغلاس ليمان. الفيلم برمتّه سيلٌ من الانتقادات المصوّبة إلى النظام الرأسمالي وأذرعه.لا يتوقف نقد الرأسمالية عند التلميح الصارخ إلى استغلال القوة العاملة. فالنصّ الأساسي للفيلم مؤاتٍ تمامًا لمثل هذه الميول الأيديولوجية، ولكن المخرج لم يجد ذلك كافيًا، فانعطف بقوة أكبر نحو اليسار. كانت النتيجة عملًا ساخرًا ذكيًّا للغاية. من جانبه، لم يتمسّك الكاتب كثيرًا بضرورة الدقّة والعناية عند نقل نصّه إلى الشاشة، واكتفى بالثقة بعبقرية المخرج الكوري الحائز على جائزة الأوسكار. من حيث الجوهر، جاءت الرواية الأصلية ردًّا على رواية روبرت هاينلاين "جنود المركبة الفضائية/ Starship Troopers"، التي سبق أن لاقت الاستحسان والانتشار في أوساط اليمين. وإن كان هاينلاين يرى في الحشرات المتحدة في عقلٍ جماعي واحد أعداءً، فإنّ أشتون لديه مخلوقات بشرية قادرة على الخداع والمراوغة فقط. في الفيلم المقتبس عن الرواية، كانت المخلوقات لطيفةً للغاية أيضًا، وتذكّرنا بخليطٍ من فيلة الماموث، ومن زواحف بطيئة للغاية، وأيضًا من كائنات فضائية من فيلم At The Mountains of Madness.يكمن الفرق الأساسي بين التكيّف السينمائي وبين أساس العمل الأدبي في الصورة المحدّثة للخصم. يزعم المخرج بونغ هو أنّ المارشال في فيلمه ليس نموذجًا عن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ولكنّ تصديق ذلك غاية في الصعوبة، إذ لم يكن من باب المصادفة البحتة، على سبيل المثال، أن يجعل المخرج أنصار الشرير يرتدون قبعاتٍ حمراء! كما أنّ كلّ تصرفات مارشال ومظهره وطريقة كلامه تشير إلى رئيس أميركي!بالإضافة إلى ما تقدّم، يتضمّن الفيلم مشهدًا لمحاولة اغتيالٍ فاشلة للسيناتور مارشال يقوم بها ميكي بارنز الغاضب، وهي تذكّر بمحاولة اغتيال رؤساء أميركيين.يتمكن المؤلّف، بطريقة ما، من تجنّب اللجوء إلى سلاطة اللسان، والابتعاد قليلًا عن السخرية، فيضع لرؤيته نهاية بسيطة، بل تكاد تكون ساذجة. بحسب الكاتب، كلّ الأخطاء سببها وجود أشخاص خطأ في السلطة، وسيكون كلّ شيء على ما يرام عندما تؤول إلى أشخاصٍ مناسبين. أمّا المخرج بونغ هو فهو آخر شخص يمكن أن يضع بهذه البساطة نهاية سعيدة للفيلم. وبالفعل، يقوم ميكي بارنز في نهاية الفيلم بتدمير آلة الاستنساخ، وإنهاء برنامج "الأشخاص القابلين للاستهلاك، والذين يمكن الاستغناء عنهم". |
المشـاهدات 136 تاريخ الإضافـة 12/06/2025 رقم المحتوى 63793 |