
![]() |
التصعيد الاستراتيجي بين إيران وإسرائيل |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
في تحول نوعي وخطير في مسار الصراع الإيراني- الإسرائيلي، دخلت المواجهة مرحلة غير مسبوقة بعد انتقالها من الضربات الرمزية والعمليات الاستخباراتية إلى استهداف مباشر للبنى التحتية الحيوية، وبالأخص المرافق الاقتصادية الحيوية التي تُعدّ شرايين الدولة ومصادر قوتها واستقرارها. لم تعد المعركة تدور على هامش الجغرافيا، بل باتت تقترب من العمق الاستراتيجي لكلا الطرفين، ما يهدد بإعادة رسم مشهد المواجهة في الشرق الأوسط، وإدخال المنطقة في نفق انفجار إقليمي واسع يصعب احتواؤه.
أولاً: الضربات الاقتصادية كتحول في طبيعة الصراع
الضربة التي تلقتها إسرائيل يوم السبت في منطقة حيفا، حيث استهدفت منشآت ومصاف حيوية، شكلت تطوراً لافتاً في مستوى الاشتباك. فالمنطقة الصناعية في حيفا تعد قلب الصناعات البتروكيماوية الإسرائيلية، واستهدافها يعكس دقة في اختيار الهدف ورسالة استراتيجية مزدوجة: ضرب الاقتصاد الإسرائيلي من جهة، وكسر خطوط الردع غير المعلن من جهة أخرى.على الجانب الآخر، لم تتأخر إسرائيل بالرد، فامتدت ضرباتها لتطال منشآت نفطية ومصافي في إيران، شملت “مصفاة فجر جم” و”حقل بارس الجنوبي” الشهير بإنتاجه الضخم للغاز، فضلاً عن ضربات طالت منشآت شمال طهران. وهو ما يكشف عن مرحلة جديدة في الصراع تقوم على إلحاق ضرر مباشر بمصادر الدخل الوطني لكلا البلدين، في محاولة لإرباك القرار السياسي وتقويض القدرة على الاستمرار في الحرب.
ثانياً: قراءة في أهداف التصعيد الجديد
هذا النوع من الضربات يخرج الصراع من كونه حرب ظل أو مواجهات عبر الوكلاء، إلى مستوى جديد يتجاوز قواعد الاشتباك التقليدية، ويؤسس لردع اقتصادي متبادل. وفي هذا السياق يمكن تحديد ثلاثة أهداف مركزية لكل طرف:1. شلّ القدرة الاقتصادية للطرف الآخر كوسيلة ضغط لإجباره على التراجع أو القبول بشروط معينة.2. رفع كلفة الاستمرار في الحرب من خلال استهداف البنية التحتية الحيوية، وهو ما قد يولّد ضغطاً داخلياً على صناع القرار.3. اختبار قدرة الدفاعات وفعالية الاستجابة، تمهيداً لمرحلة أوسع من الحرب.ثالثاُ: السياق الإقليمي والدولي وتأثيره على مسار التصعيد هذا التصعيد لا يمكن فصله عن السياق الإقليمي المتوتر أصلاً، خاصة في ظل مفاوضات نووية متعثرة، وتدخلات دولية متزايدة. كما أن انخراط الولايات المتحدة وروسيا والصين بشكل غير مباشر في توازنات القوى بالمنطقة، يجعل من هذه الضربات رسائل مزدوجة موجهة إلى الداخل والخارج. في هذا السياق، فإن استهداف المنشآت الاقتصادية الإيرانية قد يحظى بتفهم أو دعم غربي ضمن استراتيجية “الضغط الأقصى”، في حين يُنظر إلى الضربات الإيرانية ضد أهداف إسرائيلية كجزء من محور مقاومة يحاول فرض معادلات جديدة على الأرض. ما يعني أن هناك تصارعاً ضمنياً بين منطقين: منطق الهيمنة الإسرائيلية المدعومة غربياً، ومنطق الردع المتصاعد من جانب إيران ومحورها.
رابعاً: المخاطر والسيناريوهات المحتملة
إنتقال الصراع بين إيران وإسرائيل من الميدان العسكري إلى استهداف المفاصل الاقتصادية الحساسة لا يمثل مجرد تصعيد تكتيكي، بل يشير إلى تحول نوعي في طبيعة المواجهة يفرض على المنطقة واقعاً جديداً محفوفاً بالمخاطر. فحين يصبح الاقتصاد ساحة حرب مباشرة، تتغير أولويات القرار السياسي والعسكري، وتبدأ الحسابات بالميل نحو خيارات أكثر جرأة واندفاعاً. وفي هذا السياق، يفتح الباب أمام أربعة سيناريوهات استراتيجية، يحمل كل منها تبعات خطيرة وعميقة قد تعيد تشكيل المشهد الإقليمي والدولي بشكل كامل. 1. توسيع دائرة المواجهة إلى دول ووكلاء إقليميين مثل حزب الله والحوثيين، مما يسرّع الانفجار الشامل.2. انهيار التوازن الردعي، ما يجعل كل طرف مستعداً للذهاب إلى أقصى مدى. 3. تدخل دولي لفرض وقف إطلاق نار خشية من انهيار أسواق الطاقة العالمية. 4. حرب استنزاف طويلة الأمد تُنهك الطرفين وتفتح جبهات جانبية. ومن هنا يمكن القول أن الضربات المتبادلة للمرافق الحيوية قد غيرت قواعد اللعبة بالكامل، وأعادت تعريف مفهوم “الردع” في الصراع الإيراني - الإسرائيلي. فحين تصبح المصافي والمرافئ والمنشآت الحيوية أهدافاً مشروعة، فإننا أمام حرب ذات طابع استراتيجي شامل، لا يمكن احتواؤها بخطاب سياسي ولا بإدانة أممية. إن ما يجري هو بداية مرحلة جديدة قد تغيّر ملامح الجغرافيا السياسية في الشرق الأوسط، وتعيد رسم ميزان القوى الإقليمي، لكن بثمن اقتصادي وأمني باهظ على الجميع.
|
المشـاهدات 77 تاريخ الإضافـة 16/06/2025 رقم المحتوى 63928 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |