
![]() |
سؤال واحد وأجوبة عديدة (فلسفة السؤال في روايات محفوظ انموذجا) |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
داود سلمان الشويلي
العقل في أبسط تعريف له هو: مجموع العمليات العقلية التي تجعل الإنسان يدرك، ويفكر، ويحكم، ويخلق، ويعمل، على معالجة المعلومات، وتحويلها إلى أفكار، وسلوكيات. وهو القدرة على التفكير، والوعي، والإدراك، والتذكر، بالإضافة إلى قدرة على الشعور بالعواطف، والأحاسيس، والانفعالات. والعقل المعرفي يشير إلى القدرات العقلية للإنسان التي تمكنه من معالجة المعلومات، والتفكير، والإدراك، وحل المشكلات، والتذكر، والتعلّم. إنه يشمل العمليات الذهنية التي تحدث داخل العقل البشري، والتي تساعدنا على فهم العالم من حولنا، والتفاعل معه حتى، وهو يتعامل مع شيء روتيني، غير معقد، ولا فلسفي، ممن يدور في الحياة العامة المتداولة، واليومية. هو يحتاج الى تمرين، والتمرين يجب أن ينصب ليس فقط على مهارة التذكر، وانما على طرح الأسئلة لأن الاجابات حاضرة، وجاهزة، حسب ظروفها، فيما الأسئلة غائبة تحتاج الى فكر يطرحها. إذن علينا أن ننمي مهارة طرح الأسئلة. والخوف من السؤال هو بداية التحجر، والجمود. السؤال هو بوابة للشك، بوابة للايمان، بوابة للتفكير، بوابة لكل شيء، كل هذا التعدد في الاجابة عن سؤال واحد لا غير. والذكاء ليس في الاجابة، وانما الذكاء في طرح السؤال للحصول على الاجابة لكي نفهم الوجود من حولنا جيدا، أي الواقع المتاح أمامنا. ان الأسئلة التي طرحها محفوظ في مرحلته الفلسفية، خاصة في رواياته، هي أسئلة عن الله، والدين، والموت، والقدر، والحرية، ولا يهمنا هذه الأسئلة في هذه السطور، ما يهمنا هي الأسئلة التي طرحها عن الحياة العامة لشخوصة، والتي نحن معنيين بها، من مثل الآتي من الأسئلة، والتي بني عليها فعل ما. *** - روايات الثلاثية: جاء في القرآن عن النبي ابراهيم انه تساءل: ((وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)) (البقرة: 260). السؤال هو المهم، فيما الاجابة تأتي بالدرجة التالية. أما الكاتب محفوظ، وبعد أن تجاوز طرح السؤال، وأكتفى بشرح ما تقوم به "أمينة" الأم في الثلاثية أجاب عن سؤال مضمّر في أوّل صفحات الرواية، فقال ((ولكي يطمئن قلبها اعتادت أن تطوف بالحجرات مصطحبة خادمتها مادة يدها بالمصباح أمامها فتلقى في أركانها نظرات متفحصة خائفة لم تغلقها باحكام، واحدة بعد أخرى، مبتدئة بالطابق الأوّل مثنية بالطابق الأعلى، وهي تتلو ما تحفظ من سور القرآن دفعا للشياطين، ثم تنتهى إلى حجرتها فتغلق بابها وتندس في الفراش ولسانها لا يمسك عن التلاوة حتى يغلبها النوم.)) ص5. بدأت السيدة "أمينة" بالسؤال المضمّر لأن السؤال هذا الذي توارى خلف أشباح الجن، والشياطين، وسيسري على طول الأجزاء الثلاثة للرواية فهي المرأة التي تخاف على كل أفراد عائلتها، وعليها أن تطمئن عليهم دائما، وأبدا، لأن الاطمئنان عليهم هو واجبها الأساس في الوجود العائلي. كان السؤال مهما لها فضمّرت طرحه لأن في السؤال يمكن الوصول الى الواجب الكبير الذي تقوم به، فسؤالها هو المهم. والسؤال الثاني في الثلاثية هو ما طرحه كمال في "قصر الشوق" إذ قال عن الحب: ((هل كانت ثمة وراء ذلك حياة؟)) ص21. هذا السؤال الصعب هو الذي ترك كمال بلا زواج طيلة حياته. إذ حبه لابنة شداد ليس ورائه سوى اللاشيء. السؤال الثالث الذي طرح في "السكرية" جاء على شكل أغنية اختارها الكاتب لتعبّر عما كانت الثلاثية كلها تعبرعن الماضي الجميل الذي رحل، ولم يعدْ. الأغنية تقول: ((يا عشرة الماضي الجميل يا ريت تعودي)). كانت كل أجزاء الثلاثية هو ماض لن يعود بحلوه، ومره. السؤال غير سهل، ولا يسير، وهو يتردد على الألسن: (يا ريت تعودي)، ولكن الاجابة تبقى غير بعيدة، ومعروفة، انها بمتناول اليد، وهي الثلاثية، وما فيها من أحداث. *** - رواية "عصر الحب": على الصفحة/31 من رواية "عصر الحب" يتساءل أحد التلاميذ، وهو يوميء الى "عزت" بطل الرواية، ويقول: ((ما حاجته إلى التعليم وهو أغنى شخص في الحارة !!)). يجمع هذا السؤال بين الغنى، والتعليم. هذا السؤال يجاب عنه بعدة أجوبة في روايات الكاتب النوبلي محفوظ، إلا ان الأعمال، والممارسات، التي تنتج من التعليم لا تشير الى ان المتعلم قد تثقف بثقافة عالية، لا يخطيء في شيء أو يسهو أو يجانب الصواب. فأمه تدعوه الى الاجتهاد، والمثابرة، فيما هو مشدود لفكرة الجنة، والنار. فإن كان التعليم لا يفيد مع الغنى فالجواب متعدد، ومتنوع. إذ في رواية "السراب" نجد بطلها "كامل رؤبة لاظ" لا يفيده التعليم، ولا وظيفته ما بعد التعليم، فهو يسلك سلوكا غير سوي حسب عادات، وتقاليد، واعراف، المجتمع، ولا يحده تعليمه ذاك، وانما يغلب عنده التعلم من الأم، وليس التعلم الأكاديمي الذي كان من المفروض أن يصقل فكره، وأخلاقه، فيمارس الرذيلة مع المومس، ويترك زوجته التي تخونه مع الآخر، ويترك أمه تموت لوحدها. وفي رواية "ميرامار" لم يقف التعليم عائقا في وجه "زهرة" بل هو يدفعها الى تكملة مسيرة حياتها لوحدها. إذن التعليم مع الفقر لم يعد عائقا بل هو يدعو الى التقدم، والازدهار. في رواية "ثرثرة فوق النيل" تتساءل ليلى زيدان: (( ما آخر نكتة ؟ فأجاب مصطفى راشد: لم يعد هناك من نكات مذ أصبحت حياتنا نكتة سمجة.)) ص16. إذ تصبح حياتهم نكتة سمجة، وهذا ما نراه من أول الرواية الى آخرها. وفي رواية "القاهرة الجديدة" يقول أحد شخوصها، وهو في نقاش حاد مع زملائة طلاب الجامعة عن الفتيات اللاتي ارتدن الجامعة، حيث كان ظهورهن فيها حدثا طريفا يستثير الاهتمام، والفضول، وحتما انهن بنات عائلات غنية، وان ارتيادهن موضة حديثة كما السينما: ((- أتحسب أن فتياتنا يقبلن على الجامعة كما أقبلن على السينما مثلا؟)) ص6. فيجيبه صاحبه: ((- وأكثر. وسترى هنا فتيات على غير هذا المثال السيئ.)) ص6. إذن هنالك مثالا سيئا، ومثالا حسنا، عند ارتياد الفتيات للجامعة. هذه الروايات، وغيرها ممن لم نذكرها خوفا من الاطالة، الدليل الناصع على طرح سؤال التعليم الصعب أمام المال الكثير فكثرت الاجابات السهلة، واليسيرة، وقد تعددت، وتنوعت. *** - رواية "زقاق المدق" وسؤال الزواج الثاني: في سؤال صعب لا يمكن أن يطرحه أحد إلا مضطرا، وهو سؤال الزواج الثاني للسيدات، هذا السؤال تعددت الاجابات عنه لتعدد مصاديقه في الواقع، وأحد هذه المصاديق هو ما كان في رواية "زقاق المدق" عند الست "سنية" عندما تسألها الست "أم حميد": ((- ولكن بالله خبريني لماذا قضيت على نفسك بالعزوبة هذا الدهر الطويل ..؟! فخفق فؤاد الست سنية، ووجدت نفسها وجها لوجه حيال ما تريد، ولكنها تنهدت بإنكار وقالت بتأفف متكلف: - حسبى ما ذقت من مرارة الزواج . . ! كانت الست سنية عفيفى قد تزوجت في شبابها من صاحب دكان روائح عطرية، ولكنه كان زواجا لم يصادفه التوفيق، فأساء الرجل معاملتها، وأشقى حياتها، ونهب مالها، ثم تركها أرملة منذ عشرة أعوام. ولبثت أرملة طوال تلك الأعوام لأنها ـ على حد قولها - كرهت حياتها الزوجية.
ولم يكن هذا القول مجرد كذب تدارى به إهمال الجنس الآخر لها، فقد كرهت الحياة الزوجية حقا، وفرحت باسترداد حريتها وأمنها، وظلت على نفورها من الزواج وفرحها بحريتها عهدا طويلا، ثم أنسيت تلك العاطفة بكرور الزمن ولم تكن تتردد عن تجربة حظها من جديد لو تقدم لطلب يدها طالب. وجعلت تراود الأمل حينا بعد حين، حتى طال به الأمد، فغلبها القنوط، وصرفت نفسها عن مراودة الأمال الكواذب.)) ص21 -22 *** هذه الأسئلة الصعبة، وغيرها مما يرد في باقي روايات الكاتب، تبقى صعية مهما تعددت، وتنوعت، الاجابة لأنها أسئلة مصيرية في حياة الانسان. *** لقد تعددت، وتنوعت، الاجابات عن سؤال واحد كون هذا السؤال يحمل من الصعوبة ما يجعل اجاباته متعددة، ومتنوعة. السؤال صعب لكن الاجابة سهلة، ويسيرة، فالحياة تسهل عليك الاجابة. |
المشـاهدات 84 تاريخ الإضافـة 21/06/2025 رقم المحتوى 64078 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |