الثلاثاء 2025/7/1 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
السماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
الفساد الفردي والفساد المنظم
الفساد الفردي والفساد المنظم
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب أ. م. د. صدام العبيدي
النـص :

 

 

 

الفساد من أخطر الآفات قديماً وحديثاً باعتباره أهم عائق في طريق التقدم والتطور والتنمية للمجتمعات والشعوب، وقد بلغت خطورته الذروة في العصر الحاضر، وصور الفساد كثيرة لكن أهما: السرقة والاختلاس والرشوة والابتزاز والصفقات المشبوهة والنسب الثابتة التي تؤخذ على المشروعات من قبل المتنفذين وأصحاب السلطة، والعمولات والمحسوبية وغيرها من صور الفساد التي تنخر الدول والمجتمعات، والفساد سواء الإداري منه أو المالي في العراق يزداد بشكل كبير سنة بعد سنة ولا يحتاج لكشف حجمه ومعدلاته تقارير المنظمات الدولية، فنقص امدادات الكهرباء والماء، والبنى التحتية المتهالكة، والواقع الصحي المتردي، والمدارس المزدوجة الدوام وغيرها رغم انفاق المليارات - كما يصرح المسؤولون- على مشاريع الكهرباء والماء والصحة والتربية والتعليم تكشف حجم الفساد المستشري، ومع انفاق هذه المليارات فلا الكهرباء تحسنت، ولا توجد خدمة طبية في المؤسسات الصحية الحكومية تليق بالبشر، ولا حلت مشكلة المدارس المزدوجة ذات الدوامين والثلاثة، كما أن المناصب تُباع وتُشترى بملايين الدولارات، وهذه الملايين من الدولارات التي تدفع تعاد لدافعها أضعافاً مضاعفة من خلال الصفقات والعقود والعمولات على المشروعات التي تبرمها الوزارات والمؤسسات الحكومية، فأموال البلد وثرواته سرقت ونهبت، والفقر والحرمان والعوز يزاد بشكل مستمر وكبير بين مواطني البلد، فالبطالة تزداد سنة بعد سنة بين صفوف الشباب، نتيجة ما تخرجه الجامعات الحكومية والأهلية من جيوش من الخريجين سنوياً والتي لا يستطيع القطاع الحكومي تشغليهم جميعاً في ظل قطاع خاص مغيب أو مهمش رغم الحكومات المتعاقبة التي لم تنجح منذ 2003 ولحد الآن أن تضعه على السكة الصحيحة لكي يساهم في تقدم البلد وتحقيق التنمية فيه وتشغيل العاطلين عن العمل. والفساد كما يقول الدكتور مظهر محمد: له مظهرين رئيسيين: الأول هو الفساد الأصغر الذي يتمثل باستخدام الموظف العلاقات الشخصية للحصول على منافع كالهدايا وتقاضي الرشوة سراً، والفساد الأكبر الذي يحصل في أعلى الهرم الوظيفي وهو الذي يستشري في الأنظمة الشمولية أو الانظمة التي لا تملك سياسات كافية في مراقبة الفساد الأكبر والتصدي له، أما الفساد في العراق على رأي الدكتور مظهر محمد أصبح يتعدى المظهرين السابقين أعلاه، فيقول الدكتور مظهر محمد: "بين هذا وذاك أجد في ظاهرة الفساد مسمى الفساد النظمي وهو الأقرب في تفسير مظاهر الفساد المتفشية أو الوبائية في العراق". وأياً كان أسباب هذه الظاهرة في العراق من خلل في التنظيم الإداري الذي يتيح الفساد بصوره المختلفة، أو عدم خوف الفاسد من المحاسبة، أو تقصير الأجهزة الرقابية في أداء دورها، لكل هذه الأسباب وغيرها أصبح الفساد منظماً، حتى صار العراق يصنف ضمن الدول الأكثر فساداً في العالم إذ احتل المرتبة 140 عالمياً من بين 180 دولة ضمن مؤشرات مدركات الفساد الذي أصدرته منظمة الشفافية الدولية للعام 2024، فالعراق يغرق بالفساد الذي يستنزف معظم ثروات البلد مما ترك الكثير من أبناء الشعب في فقر مدقع. فسرقة القرن التي كُشف عنها والتي تم فيها سرقة أكثر 2,5 مليار دولار ليست هي الأخيرة فهناك عشرات السرقات التي لم يكشف عنها، ومما يدل على عظم الفساد المستشري في العراق حجم الأموال المهربة خارج العراق من عمليات الفساد فيرى الأستاذ عبد الرحمن المشهداني استاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية ببغداد أن التصريحات السابقة لبرهم صالح أن حجم الأموال المهربة تقدر بـ 150 مليار دولار غير دقيقة وأنه يعتقد أن حجم الأموال المهربة تتراوح بين 350- 600 مليار دولار للفترة من 2006 لغاية 2018، مع الأخذ بنظر الاعتبار أن مزاد بيع العملة هو أحد وأخطر واجهات الفساد يتم وفق اطار مؤسساتي تتم إدارته من قبل البنك المركزي العراقي الذي يفترض أن يكون مستقلاً عن السلطة التنفيذية ويخضع لرقابة السلطة التشريعية، وشبهات الفساد في مزاد العملة تكمن بالآليات والتعاملات المصرفية التي تتم من خلالها مزاد العملة لذا يقول الدكتور نبيل المرسومي أستاذ الاقتصاد بجامعة البصرة: أن مبيعات البنك المركزي تستنزف 57% من عائدات العراق وهذا نموذج على جعل العراق أسيراً للفساد واللادولة. لكل هذا أصبح الفساد في العراق يعد عنصراً أساسياً من بنية النظام السياسي وأحزاب السلطة، فلا وجود لمؤسسات حكومية رصينة، أما شعار محاربة الفساد فهو مجرد شعار للاستهلاك المحلي فلا يمكن القضاء على الفساد؛ لأن الفساد منظم ومشرعن ومحمي من أحزاب السلطة وجهات متنفذة تمنع الجهات الرقابية من الوصول إلى الفاسدين ومحاسبتهم، لذا فالفساد باق ومعشش في مختلف مفاصل الدولة، ولا سبيل لمعالجته والقضاء عليه؛ لأن أي معالجة حقيقية للقضاء على الفساد يعني تغيير جذري للطبقة السياسية الحاكمة، كون الفساد في العراق صار من بنية النظام السياسي، فالفساد في العراق ليس فساداً فردياً يتمثل بسرقة أو اختلاس هذا المسؤول، أو رشوة ذاك الموظف، فلا ينحصر الفساد بشخص دون آخر وإنما هو فساد مستشري في مفاصل الدولة، فالفساد في العراق لم يعد فساد أفراد وأشخاص وإنما تحول إلى فساد مؤسسات ومراكز قوى وثقل في النظام السياسي، ولم يقتصر الفساد على مرفق معين بل شمل كل مرافق الحياة الاقتصادية والإعلامية والثقافية والرياضية، فالفساد صار بحق فساداً منظماً لا فساداً فردياً.

 

المشـاهدات 51   تاريخ الإضافـة 29/06/2025   رقم المحتوى 64337
أضف تقييـم