الإثنين 2025/6/30 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 42.95 مئويـة
نيوز بار
يوم عاشوراء تأريخ للإنسان وصفحة فاصلة في تأريخ البشرية
يوم عاشوراء تأريخ للإنسان وصفحة فاصلة في تأريخ البشرية
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب علي الشرع
النـص :

 

 

ان ما جرى في كربلاء في يوم عاشوراء من مواقف الحسين عليه السلام واهل بيته واصحابه، وكل من معه من رجال ونساء وشباب واطفال كتب صفحة جديدة في التاريخ طوت وغطت على من كان قبلها من صفحات، وصارت هي الصفحة الفاصلة الخالدة التي يُقاس عليها فيما سبق من تاريخ البشرية، وفي يوم عاشوراء كتُب تأريخ الانسان الأصيل والحقيقي قبل الانحراف والابتعاد عن الفطرة السليمة. وهنا سنميز بين تأريخ الانسان (بما هو انسان) وتأريخ البشرية (بما هو احداث تجري في الواقع)، وفي كليهما ترك يوم عاشوراء اثراً بارزاً لا يمكن محوه، ودرساً استثنائياً يقتبس منه الجميع لحاضرهم ومستقبلهم.أن سمات الانسان المتأصلة والمغروسة في فطرته والمعبّرة والكاشفة عن طبيعته الحقيقية هي التي ترسم صورة الانسان في داخله، وبفضلها يبدو الانسان مختلفاً عن الحيوان، فحب الانسان الخير لاخيه الانسان والرأفة والرحمة في التعامل مع الاخر: القريب او البعيد من الناس على حد سواء، يفرح لفرحه ويحزن لحزنه ويعينه عند النكبة، ويقف معه في الشدة ويساعده في رفع الظلم عنه، ويدفع عنه عند نزول المكاره والخطر، ويؤثره على نفسه ولو كان به خصاصة، كل هذه السمات وغيرها من معالمه النفسية المميزة قد تغيرت وطمست واندثرت ولم يبق منها سوى شذرات متناثرة في حياة الانسان اليومية منذ ان تم تدوين اول حادثة في تاريخ البشرية يوم قتل قابيل هابيل. وبرزت -محل تلك السمات والمعالم- دوافع تحرف طبيعة الانسان عن خطها المستقيم كالحسد والانانية والتنافس غير الشريف وحب الاستعلاء والاستئثار والتعطش لاراقة الدماء، ثم تطورت هذه الدوافع فصارت مبادئ وقيم أساسية تحرك الانسان باتجاهات منحرفة وبعيدة عن الأصل بحيث أضحت تهيمن على سلوكه ويسترشد بها في تعاملاته، وبسببها صار الانسان مادي الطبع والسلوك على نطاق واسع، لا تنبض مشاعره الانسانية، وليس من فرق بينه وبين الحجارة بل هو اشد قسوة أحيانا كثيرة حتى تعجب ان يكون ما صدر من فعل شنيع ومؤلم ان يكون وراءه انسان. ثم أتى يوم عاشوراء ليستعيد ما طمس واندثر من المشاعر الاصيلة، ويوقظ ما دفن من السمات الاصلية المغروسة في ذات الانسان. وكان سيكون يوم عاشوراء وموقعة كربلاء كسائر الأيام والمواقع لولا حضور الامام الحسين عليه السلام فيها، وهذا هو ثقل الامام المعصوم حين يتواجد في مكان ما حيث تلقي شخصيته الفريدة ظلالها على أسلوب الحياة في ذلك المكان وعلى من يتواجد فيه، وهي لا تتوفر الا فيه دون غيره من البشر، حيث الضخ العاطفي والإنساني بكل صوره وتشكيلاته قد تجلى في ذلك اليوم الرهيب الصعب الذي لا يطيقه احد. فصار الحسين عليه السلام ومن معه -الذين تحت قيادته العاطفية والإنسانية -في يوم عاشوراء منارة جديدة للإنسان يستضيء بها في سيره بدلاً من تلك التي دمرت واندثرت، وراية حمراء براقة يستهدي بها الضائع عند انحرافه عن المسير الإنساني. ولا ريب فأن المواقف التي ظهرت منه عليه السلام هو واصحابه من النساء والرجال تجعلنا نهزّ رؤوسنا وتهتز قلوبنا متعجبين ان تصدر من أناس - في ذلك الوقت العصيب التي تتناطح فيه السيوف والرماح- تلك اللفتات الإنسانية الرائعة التي يندر ان نراها في حياتنا، وإن فعلها احد في زماننا المادي هذا الذي ضاعت فيه حقوق الانسان ترانا نصفق ونحتفل ونكرم من فعلها باعتباره شخصاً استثنائياً بسبب ابتعادنا عن تلك القيم الكبيرة التي تنسجم مع روح الانسان. وهكذا يؤرخ يوم عاشوراء -من خلال الحسين عليه السلام ومن رافقه صفحة- لتأريخ الانسان الاصيل، ولولاها لمات الانسان وخرج من الدنيا ولا يعرف ان هذه هي صفاته التي يجب ان يتصف بها ويتصرف على اساسها. لقد كان يوم عاشوراء ثورة الانسان لاستعادة الانسان وردّه الى طبيعته وفطرته الاصلية الاصيلة. ولهذا تسمع الكثيرون من الرجال والنساء يعلنون ان حالتهم المعنوية والروحية ترتفع في أيام عاشوراء عن سائر الأيام فيصبحون أناساً مختلفين حيث يعلو منهم فيها ويظهر العطاء والكرم والسماح والعفو، وتستثار فيهم مواقف الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء من الحنو من دون تفرقة على الأخ والابن والأطفال والمرأة والطفل والبنات ونساء أصحابه والغيرة على النساء عندما يضع في موقف مميت وهو: اما البقاء عطشانا والموت والضعف عن القتال فتلحق نساءك من ان يعتدي عليهن احد او تشرب الماء وتتركهن عرضة للاعتداء. تتدفق كل تلك المشاهد التي جرت في يوم عاشوراء الى ذهن وعقل وقلب الانسان في يوم عاشوراء او كلما تذكر الحسين عليه السلام والحرارة تملأ قلبه عندما يتذكر مصائبه التي صبر عليها، ومواقفه التي خطها بكلماته ودمه، فصار اسوة لكل الناس ولكل الأجيال.ودوّن يوم عاشوراء صفحة أخرى في تاريخ البشرية جمعاء، أصبحت هي الصفحة الفاصلة التي هيمنت على ما قبلها من صفحات والحدث الخالد الذي استولى على ما قبله من احداث، وأسست لنقطة زمنية بدأ التاريخ منها، ولا نبالغ اذا قلنا ان صفحة يوم عاشوراء مزّقت كل صفحات التاريخ التي تم ويتم تدوينها في التاريخ البشري. فالصفحات غيرها ليس فيها سوى تسجيل لحوادث جرت ومرّت ولا يراجعها احد الا عند الحاجة، اما صفحة عاشوراء فتراجع كل حين. فكلما تريد ان تشحن نفسك بالصبر والاباء ورفض الظلم والاثرة والثبات على المبدأ والوفاء والتسابق على الموت من اجل الدفاع عن الدين والحرمات لابد ان تذكر الحسين عليه السلام واخيه العباس عليه السلام وأصحاب الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء، وهذا الربط والارتباط ليس فقط مقصوراً على من يمارس شعائر عاشوراء بل لكل من يريد ان يبحث عن المثالية في الأداء، وأن يصنع انتصاراً عظيماً. لقد تعلمنا من الحسين عليه السلام ان الانتصار لا يكون في المعركة المباشرة بين طرفين مظلوم وظالم بل لما يبقى من ذكر له ما بعد المعركة؛ لأن الانتصار بمعنى غلبة الخصم هي لحظات وتنتهي، ولكن ان يمتد الانتصار الى قرون عديدة فهذا هو الانتصار بحق وما دونه ليس سوى فوزاً مؤقتاً. هذا ما ثبّته يوم عاشوراء كصفحة فاصلة طويلة بارزة في كتب التاريخ، نقلب صفحات التاريخ من عندها، ونستعرض احداث جرت التاريخ بالقياس اليها.ان يوم عاشوراء معيار للإنسان للفرد يستلهم منه في حياته، ويصحح مساره عليه اذا اصابته فتنة او الهته الحياة المادية، او اضطربت مواقفه. ويوم عاشوراء صفحة جديدة فاصلة أضيفت الى تاريخ البشر، صار لهم تاريخ فيه بعد ان اختطفه الظالمون والطغاة وأصحاب الأموال والقوة والنفوذ.

المشـاهدات 28   تاريخ الإضافـة 30/06/2025   رقم المحتوى 64398
أضف تقييـم