الخميس 2025/7/3 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 40.95 مئويـة
نيوز بار
الحشد بين النصر والعقاب
الحشد بين النصر والعقاب
كتاب الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب سيف الحمداني
النـص :

 

 

 

في الوقت الذي كان يُنتظر فيه تكريم الأذرع التي قاتلت بضراوة في مواجهة الإرهاب، ها نحن نُفاجأ بتأخير غير مسبوق في صرف رواتب الحشد الشعبي، الهيئة التي ما تزال دماء شهدائها طرية في وجدان المدن المحررة. تأخير قد يُفهم في ظروف طبيعية كتعثر إداري أو خلل في الإجراءات الروتينية، لكنه في السياق العراقي المُثقل بالتصفيات والتجاذبات، لا يبدو سوى حلقة جديدة في سلسلة الاستهدافات التي طالت الحشد شعبيًا وسياسيًا وعسكريًا.

 

بين شرعية القانون وحصار الواقع

 

الحشد الشعبي ليس كيانًا طارئًا أو جماعة خارجة على الدولة كما يُروّج له البعض. إنه هيئة رسمية أُنشئت بفتوى دينية تاريخية، ودُمجت لاحقًا ضمن المؤسسات الأمنية للدولة بقانون واضح ومُصوّت عليه في البرلمان العراقي عام 2016. بل هو اليوم جزء لا يتجزأ من منظومة الدفاع الوطني، يخضع للقائد العام للقوات المسلحة، ويتقاضى عناصره رواتب من خزينة الدولة شأنهم شأن بقية القوات الأمنية.لكن، ما الذي يدفع إلى استهدافه بهذا الشكل؟ ولماذا يُؤخّر راتب مقاتل قضى سنواته الأخيرة على خطوط النار؟ ولماذا تتصاعد دعوات "حصر السلاح بيد الدولة" كلما اشتدت موجة الضغط على الحشد، وكأن السلاح الوحيد غير المنضبط في العراق هو ذاك الذي بيد الحشد؟

 

ما وراء الأجندة

 

ليس سرًا أن الحشد الشعبي يُمثل اليوم معضلة للعديد من الأطراف الدولية والإقليمية. فالقوة التي تمكنت من كسر مشروع "داعش" في العراق وسوريا، والتي خلقت توازنًا ميدانيًا في مواجهة قواعد أميركية وإسرائيلية متقدمة، تُعد رقماً صعبًا في أي ترتيبات لاحقة ترسم حدود النفوذ السياسي والأمني في المنطقة. من هنا، يصبح استهداف قياداته بعمليات تصفية جوية ـ كما حصل في السنوات الأخيرة ـ أو محاصرته ماليًا ورواتبياً، جزءاً من هندسة طويلة النفس لتحجيم دوره وإبعاده عن الساحة.

 

الداخل منقسم.. ولكن

 

في الداخل العراقي، تنقسم المواقف تجاه الحشد بين من يراه "ضرورة وطنية" كحصن ضد الإرهاب والفراغ الأمني، وبين من يعتبره "ذراعًا موازية" يُخشى من تضخمها. لكن الثابت أن الحشد لم يأت من فراغ، بل من غياب الدولة في لحظة تاريخية مفصلية. لذا فإن معالجته، إن وجب، لا تكون بالتجفيف أو بالتحريض أو بالتقشف الموجه، وإنما بإعادة بناء الثقة المؤسسية وتطبيق القانون على الجميع دون استثناء.

 

المصير.. إلى أين؟

 

المستقبل لا يُبشّر بالطمأنينة للحشد الشعبي، لا بسبب نقص الولاء الشعبي، بل لأن موازين السياسة الإقليمية والدولية لم تستقر بعد، وما يزال الحشد عائقًا أمام بعض المشاريع التي تسعى لإفراغ العراق من أدوات الردع غير الخاضعة بالكامل للقرار الخارجي.لكن بقاءه أو تحجيمه لن يكون قرارًا فنيًا أو إداريًا، بل هو نتاج صراع مركب بين قوى داخلية وأخرى خارجية، بين من يرى في الحشد ضمانة للسيادة، ومن يراه حائط صدّ أمام نفوذهم في البلاد.

 

في الختام

 

ليس من العدل أن يُكافأ من قاتل دفاعًا عن الوطن بـ"خصم الراتب"، ولا من الحكمة أن تُدار الملفات الأمنية الوطنية بمنطق الاصطفاف أو الثأر السياسي.الحشد الشعبي واقع لا يمكن تجاوزه، ووجوده لن يُلغى بقرارات مفاجئة أو حملات إعلامية موسمية. التعامل مع هذه المؤسسة يجب أن يتم بعقل الدولة، لا بغريزة الخصومة، لأن البديل قد يكون فراغًا خطيرًا لن يسده أحد.

المشـاهدات 58   تاريخ الإضافـة 03/07/2025   رقم المحتوى 64520
أضف تقييـم