الإثنين 2025/7/7 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية والعربية
ناجح المعموري رحالة الأسطورة والفكر في فضاء الثقافة العراقية والعربية
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

محمد علي محيي الدين

في ربوع مدينة الحلة العريقة، التي تنبعث من ترابها نفحات تاريخية وأدبية، وُلد ناجح حسين ناصر المعموري عام 1944م. هناك، حيث تلتقي مياه الفرات بالثقافة الغنية، انطلق هذا الباحث والمفكر الذي سيكون لاحقًا من أبرز رموز الفكر النقدي والأدبي في العراق والعالم العربي.

نشأ ناجح المعموري في بيئة تربوية راسخة، أكمل فيها دراسته الابتدائية والثانوية، ثم نال دبلومًا في التربية عام 1963. لم يكن عمله في مجال التعليم مجرد وظيفة اعتيادية، بل كان بداية رحلة ثقافية وفكرية شاقة، حمل خلالها شعلة البحث والكتابة حتى أُجبر بسبب ظروف سياسية على الانتقال للعمل في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، التي اعتزلها تقاعدًا عام 1988.

لكن المعموري لم يكن يومًا رجلاً عاديًا في مواقع العمل الحكومية، فقد اختير عام 2018 من قبل مجموعة "كاسل جورنال" البريطانية كشخصية ثقافية عالمية، تقديرًا لدوره الرائد في دعم ثقافة السلام والتسامح المجتمعيين، ولدراساته التي أغنت الفكر العربي وأضفت عليه رؤى نقدية جديدة.

في قلب الحركة الأدبية العراقية، وقف المعموري مؤسسًا وأمينًا لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق، حيث ترأسه لدورتين متتاليتين بين 2016 و2022، وساهم في رسم خارطة الثقافة الوطنية بوعي وإصرار. كان عضوًا في المجلس المركزي والتنفيذي للاتحاد بين 2010 و2013، ونائبًا للأمين العام، مناضلًا في ميادين الثقافة والوعي، من خلال منبر العقل ومنتديات الثقافة النسوية، ومسؤولًا عن المنتدى الثقافي داخل الاتحاد.

كان أيضًا جزءًا من لجان جائزة الإبداع في وزارة الثقافة، حيث ترك بصماته كعضو فاحص ومشرف، داعمًا للأدب والفنون بجميع أشكالها. نشاطه الثقافي لم يتوقف عند حدود العراق، بل امتد إلى عدد من البلدان العربية، حيث قدم محاضرات وورشًا فكرية، مسلطًا الضوء على الأبعاد الأسطورية والرمزية في التراث الإنساني.

في مسيرة الكاتب والمفكر ناجح المعموري، تتجلى عبقرية الجمع بين النقد الأدبي والأسطورة، بين التراث والحداثة. فقد أصدر عشرات الكتب التي غاصت في أعماق الميثولوجيا والأساطير القديمة، مستكشفًا أصولها وتأويلاتها في ضوء النصوص التوراتية وموروث بلاد الرافدين، موثقًا العلاقة بين الأسطورة والسياسة والدين.

من مجموعاته القصصية الأولى «أغنية في قاع ضيق» (1969) و«الشمس في الجهة اليسرى» (1972)، إلى رواياته المهمة مثل «النهر» (1978) و«شرق السدة.. شرق البصرة» (1984) و«مدينة البحر» (1986)، استمر المعموري في ترسيخ مكانته الروائية، ليكون بعدها صائدًا للأسطورة والرمز في مؤلفات مثل «موسى وأساطير الشرق» (2001) و«الأسطورة والتوراة» (2002) و«ملحمة كلكامش والتوراة» (2009).

إن كتاباته ليست مجرد سردٍ بل مقاربات نقدية معمقة في قوالب الأسطورة، الجنس، المقدس، والفنون، محدثة تحولات في الفكر الثقافي العراقي والعربي، كما هو واضح في عناوين مثل «الجنس في الأسطورة السومرية»، «التفاحة والناي»، «الرمز الأسطوري في الفن العراقي»، و«سحريات الطقوس والأساطير» التي صدرت حتى عام 2020.

شغل المعموري مناصب ثقافية مهمة، منها رئاسة تحرير مجلات ثقافية مثل «الجندول» و«شبابيك»، وإدارة مكتب صحيفة «المدى» في بابل، إضافة إلى استشاراته للحكومة المحلية في بابل، متفاعلًا دومًا مع المجتمع المدني ومؤسساته الثقافية، مجددًا صلة الثقافة بالأرض والإنسان.

لقد أثار نتاج ناجح المعموري الفكري اهتمام عدد كبير من النقاد والباحثين في العراق والعالم العربي، الذين أجمعوا على أن دراساته تشكل نقلة نوعية في حقل النقد الأسطوري والتراثي. يرى النقاد أن المعموري يمتاز بعمق التحليل ودقة التأويل، حيث نجح في نسج روابط متينة بين النصوص الأسطورية القديمة والنصوص الدينية والتاريخية، ما أتاح رؤية جديدة ومغايرة تجاه التراث العربي والشرق أوسطي.

كما أشادوا بقدرته الفذة على إعادة قراءة النصوص التراثية بشفافية نقدية حادة، لا تهدف إلى التقديس الأعمى، بل إلى استكشاف الأبعاد الإنسانية والاجتماعية والرمزية التي تنطوي عليها. هذا النهج جعله نموذجًا للباحث المثقف الذي لا يغفل السياقات الثقافية والسياسية التي تؤثر على النص وتؤثر به.

وقد كتب عنه عدد من كبار النقاد:

    قال الدكتور علي حداد:" إن مشروع ناجح المعموري في إعادة قراءة الأسطورة من منظور ثقافي وأنثروبولوجي يمثل أحد أهم ملامح التحديث في الفكر النقدي العربي، حيث تخلى عن الأدوات التقليدية لصالح مقاربات مركبة تزاوج بين اللساني والرمزي والاجتماعي."

    ورأى الناقد فاضل ثامر أن المعموري "من أوائل من اشتغلوا على تبيئة الفكر الميثولوجي في القراءة النقدية العراقية"، مشيرًا إلى قدرته على كشف البنى الذهنية العميقة في النصوص التراثية.

    أما الدكتور عبد الله إبراهيم فاعتبر أن "جهده المعرفي ينقل الأسطورة من حيّز الحكاية إلى فضاء التأويل الثقافي والاجتماعي، مشكلًا مشروعًا حداثيًا يحاور التراث من داخله".

    وأكدت الناقدة مي مظفر أن "المعموري سحب الرمز الطقوسي من غموضه وأدرجه في خطاب ثقافي حديث لا يخشى مساءلة المحظورات".

لقد خُصصت لأعماله رسائل ماجستير وأطاريح دكتوراه، من بينها:

"الأسطورة والتحليل الثقافي في فكر ناجح المعموري: قراءة في البنية والوظيفة" – جامعة بغداد.

"الرمز والدلالة في كتابات ناجح المعموري: قراءة في التشكيل الثقافي" – جامعة الكوفة.

كما نُظمت له ندوات تكريمية في بغداد والحلة، أبرزها ندوة "ناجح المعموري: الأسطورة والهوية الثقافية" التي أقامها بيت الحكمة عام 2019.

وقد تُرجمت بعض دراساته إلى اللغات الفرنسية والإنجليزية والإسبانية، وظهرت في مجلات مهتمة بالأنثروبولوجيا ودراسات الأديان والأساطير.

في ميدان الفكر والثقافة، يعكس ناجح المعموري صورة الباحث المتفرد، ذلك الإنسان الذي أنشد المعرفة في تفاصيل النص والأسطورة، وواصل مسيرته بحس نقدي ثاقب، راصدًا المتخيل الإنساني عبر العصور. هو ليس مجرد كاتب أو ناقد، بل رحالة يستكشف الميثولوجيا الإنسانية ليعيد صياغتها في ضوء فكره المتقد، مؤسسًا لوعي جديد ينبذ العنف، وينادي بالسلام والتسامح الثقافي.

هكذا تبقى سيرته ومنجزه موروثًا ثقافيًا عميقًا، يمضي فيه كل مهتم بالأدب والنقد والتراث، ليتعلم كيف تكون الأسطورة نبراسًا لفهم الحاضر، وكيف يتحول النص إلى فضاء رحب للحوار بين الموروث والحداثة.

المشـاهدات 18   تاريخ الإضافـة 06/07/2025   رقم المحتوى 64588
أضف تقييـم