النـص :
اصبحت التصنيفات العالمية للجامعات في العالم (مثل تصنيف شنغهاي والتايمز) حسب مؤشرات تعتمدها تلك التصنيفات مصدر قلق للجامعات والمسؤولين على حد سواء في البلدان النامية على الاقل. واللوم يقع على اولئك الذين اسسوا تلك التصنيفات الذي يظهر أن غايتهم منها ليس ترقية البحث العلمي وضمن نزاهته ورصانته بل ان هدفهم من نشرها تجاري بحت من اجل جذب الطلاب الأجانب الى جامعات معينة في بلد معين والا فهي بحد ذاتها لا اعتبار لها في تحديد اتجاهات التعليم وخططه والا لأهتمت بها الجامعات الامريكية ورأيناه على صفحاتها الالكترونية مثلاً.واستغل احد الباحثين في الجامعة الامريكية في بيروت وهو Lokman I. Meho ذلك الاهتمام بهذه التصنيفات للدخول على خط هذه القضية الحساسة سياسياً واجتماعياً فنشر قبل شهرين دراسة تحت عنوان Gaming the Metrics? Bibliometric Anomalies and the Integrity Crisis in Global University Rankings مستخدماً مقياساً للنزاهة العلمية هو اقترحه في تلك الدراسة، وعلى أساسه قام بتصنيف الجامعات الى خطرة وقام بتعليمها باللون الاحمر واقل خطورة لوّنها بالوان اخرى. فوقعت عدد من الجامعات العراقية وجامعات عربية ومن دول أخرى ضمن قائمة الجامعات غير النزيهة في البحث العلمي، ووضع امامها العلم الاحمر للإشارة الى وقوعها في منطقة الخطر الامر الذي أدى الى التشهير بهذه الجامعات والدول التي تنتمي لهان وخلق جواً من الانزعاج بين افراد المجتمع العراقي والعربي على الأقل، وتم تداولها في الاعلام ومنصات التواصل الاجتماعي. ولم يكن الرد الصحيح والمناسب على هذا التشهير في هذه الدراسة هو القول أن من اصدر هذا التقييم ليست مؤسسة رسمية او أن الجامعات العراقية داخله ضمن التصنيفات التي تنفي عنها تهمة عدم النزاهة؛ لأن الباحث (لقمان) هو انما يريد انتقاد التصنيفات التي تضع على قوائمهاجامعات غير نزيهة في البحث العلمي. وكان الرد الصحيح والاجراء المثالي هو أن يتم انتقاد المقياس الذي استخدمه مؤلف الدراسة في الحكم على عدم نزاهة الجامعات العراقية في البحث العلمي.وكنت اود لو اطلعت على البيانات التي استخدمها لقمان في مقياسه في النزاهة حتى اشير اليها هنا، ولكني راسلته وانتظرت اكثر من أسبوع ولم احصل منه على رد، ولهذا سوف يكون الرد في هذا المقال مقتصراً على تصميم المقياس. ومقياسه الذي اطلق عليه اسم (مؤشر خطر النزاهة البحثية Research Integrity Risk Index (RI2 - الذي استخدمه في تصنيف الجامعات على أساس النزاهة وليس على الإنجاز - هو مركب من عنصرين هما: التراجع عن البحث المنشور Retraction Risk + النشر في مجلات اسقطت من سكوباس وغيرها Delisted Journal Risk. وكلا العنصرين المستخدمين في مؤشر النزاهة هذا ليس ذنب الباحث كلياً بل تقع جزء من مسؤوليته على سكوباس وغيرها. وعلى فرض ان مجلة علمية أُسقطت من الاعتبار في المواقع المشهورة مثل سكوباس وغيرها، فلا يضر ذلك بالبحث المنشور فقد يكون هذا البحث مستوفي الشروط وخرج بنتائج جديدة بينما لم تلبي المجلة -المنشور فيها البحث وحُذفت في وقت لاحق من قاعدة بيانات سكوباس - متطلبات سكوباس. كما ان التراجع عن البحث المنشور هو مزية تصب في صالح الباحث وتعبر عن نزاهته وقد فعل ذلك علماء حازوا على جائزة نوبل مثل ماكس بلانك، ولهذا فأن تضمين هذا العنصر في مؤشر النزاهة البحثية غير مقبول، علما انه قد تم مدح التراجع في دراسات أخرى مماثلة وتغاضى عنها لقمان في دراسته. بيد أن هناك مشكلة بسيطة تبرز بخصوص هذا التراجع تتجلى في امرين اثنين هما: الاول هو في ان الباحث قد يحصل على ترقية خلال مدة عدم التراجع عن بحثه، ويمكن معالجة هذه بالطلب من الباحث تقديم بحث اخر، اما الامر الاخر فهو في حصول البحث والجامعة التي ينتمي لها الباحث على تقييم اعلى ضمن التصنيفات ثم يتم التراجع عنه بعد ان يكون حقق الهدف. ولكن هذه التصنيفات لا تمنح قيمة واهمية للجامعة ويجب عدم الاكتراث بها. ويبقى المؤشر الوحيد لعدم نزاهة البحث العلمي الذي يجب اعتماده هو اذا كانت نتائج البحث مسروقة كلها، او تم التلاعب في البيانات من اجل اثبات استنتاج او البرهنة على صيغة رياضية معينة، او بمستوى اقل التحايل في عمليات الاقتباس من البحث المنشور بشكل مقصود من جامعات نفس البلد حتى اذا لم يكن هناك ارتباط قوي بمحتوى البحث بل هو مجرد اقتباس من اجل رفع مكانة البحث بين البحوث الأخرى، فيساهم شكلياً لا واقعياً في رفع مستوى الجامعة في قائمة التصنيف.اما كون البحث لم يتم الاقتباس منه الا باعداد قليلة فلا يدل على ان البحث غير مهم، لأنه من المحتمل ان تكون نتائج البحث تتعلق بالبلد نفسه ولا توجد لها تطبيقات في بلدان اخرى، مثلاً لو تم اجراء بحث عن الاهوار في العراق، وكانت الاهوار وبيئتها غير موجودة الا في العراق وايران، وتوصل الى نتائج جديدة تخص البردي او النباتات تساهم في مثل هكذا بيئة لتكثير علف الجاموس وزيادة انتاجيتها، ولم يُقتبس من هذا البحث الا اقتباسين او حتى خمس اقتباسات فهذا لا يعني ان البحث لا قيمة علمية له، فمادامت الدراسة أدت الى نتائج مثمرة على الاقتصاد من قبيل زيادة او خلق دخول جديدة للافراد في تلك المناطق او قللت من استيراد اللحوم او منتجات الجاموس من الالبان وغيرها، فقد تحقق هدف الدراسة. ولهذا فأن مقياس النزاهة الذي استخدمه قلمان وأدى الى ضجة في الدول التي وضع جامعاتها في خانة ذوات الاعلام الحمراء لا فائدة منه ولا ضرر، لا لأن لقمان باحث فردي وليس مؤسسة بل لأن العناصر المكونة للمقياس الذي استخدمه لا تمثل في الواقع المؤشر الحقيقي لقياس النزاهة في البحث العلمي. وبناء على ذلك لا يمكن الاعتماد - في تقييم الجامعات العراقية ووضع علم خطر احمر امامها للدلالة على عدم نزاهتها - على مقياس لقمان الذي هو مقياس غير صالح لتقييم النزاهة في البحث. ان مقياس لقمان لنزاهة البحث العلمي فيه عيب كبير، ويجب عدم الاعتناء به في وضع رايات حمراء او صفراء او التحذير من مخاطر عدم نزاهة البحث. ولهذا اقترح على وزارة التعليم العالي ان تضع هذا المقال على جميع منصاتها وصفحاتها الالكترونية، وكذلك لتفعل نفس الشيء جميع الجامعات التابعة لها حكومية واهلية، ومن الافضل ان تقوم بترجمة هذا المقال الى اللغة الانجليزية - من بدايته الى بداية هذه الفقرة وتترك هذه الفقرة وما تحتها من دون ترجمة كونها تتعلق بشأن داخلي عراقي- ووضع الترجمة أيضا بجنب المقال في نسخته العربية، وليكن عنوان هذا المقال (Critiques of Lokman’s Research Integrity Index: Iraqi’s university have no redflag ) كون هكذا ادعاءات تضر بسمعة الباحث العراقي والبحث الذي ينتجه وسيزيد من التشكيك في كل ما يكتبه الباحث العراقي، وما يتبعه من زيادة نسبة رفض البحوث حتى اذا كانت مبتكرة.وهناك اقتراحات أخرى ينبغي بل اتوقع ان تأخذ بها وزارة التعليم العالي في الفترة القادمة حتى تزداد فعالية التعليم العالي في المجتمع، وهي:1. تغيير الأهداف التي وضعتها الوزارة للجامعات من الهدف البسيط بدخول التصنيفات الى هدف طموح وهو الحصول على جائزة نوبل (او الجوائز المشابهة لها في القيمة كجوائز الرياضيات) - الذي يتناسب مع المستوى المرتفع والمشهود به لذكاء الشعب العراقي. وحتى يتحقق هذا الهدف الطموح يجب توفير ورصد الموارد المالية والمادية لتحقيق ذلك من اليوم التالي لوضع هذا الهدف في المجالات التي تمنح فيها هذه الجائزة كالطب والاداب والاقتصاد والفيزياء والكيمياء. واذا ما تمكن احد الباحثين العراقيين من الحصول على جائزة نوبل فسوف يتحقق تلقائياً الهدف الاخر وهو الدخول في التصنيفات. اما السعي للدخول في التصنيفات المعروفة لوحده فلا يمكن ان يكون هدفاً ابداً، ومن الخطأ ان يكون هدفاً رئيساً للوزارة والجامعات؛ لأنه من الممكن ان يكون تقييم الجامعات ضمن تلك التصنيفات يخضع للتحيز والابتزاز.2. ان يتم توجيه الباحثين للنشر في المجلات العلمية المعروفة في أمريكا وبريطانيا والدول الاسكندنافية التي على صفحاتها تطورت النظريات والطرق والاساليب الرياضية. فشروط النشر في تلك المجلات تفرض على الباحث التفتيش عن البحث المبتكر الذي يحتوي على إضافة علمية.3. ان يتم الصرف الفوري لنفقات النشر في المجلات المذكورة في النقطة 2 أعلاه حصراً دون غيرها.
|