
![]() |
الجواري حياة خَلْفَ الستار |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
حيدر أحمد خلف
في دراسة تاريخية وأدبية شيّقة يأخذنا الناقد الأدبي والأكاديمي الدكتور (جبور عبد النور) لبناني الأصل , والراحل عام (1991) والذي كان له تأثير واضح في مجال النقد الأدبي، من خلال نتاجاته الأدبية والنقدية، وأخص في هذا المقال كتابه المعنون (الجواري) والصادر عن (دار المعارف بمصر) ضمن سلسلة ((إقرأ)) الطبعة الثانية في زمن الستينيات من القرن الماضي . تبدأ الدراسة بعنوان "الخدر العربي" ، فماذا تعني المرأة عند الرجل العربي وكيف أحبها حباً شديداَ، بل أسرف في ذلك إسرافاً عظيماً على حد تعبير المؤلف، فهي جنته التي يحلم بها ونعيمه أيضاً، ولكل امرأة خواص ومزايا عند وجدان وعاطفة الرجل العربي. فقبل الولوج في موضوعة (الجواري) يعرّج الكاتب الراحل على مفهوم الجمال العربي وحدود هذا الجمال وكيفية تذوقه , كتذوقهم للفنون الجميلة عامة وللشعر خاصة , فهناك العبلاء الجسم أي (الممتلئة) , والثقيلات الردف , والبيضاء , والسوداء المستلطفة , والغلاميات , والبيضاء الممزوجة بالحمرة . ولا تغفل الدراسة عن دور الشعر والشعراء في وصف جمال المرأة وكيف استطاعت أن تكون مصدر إلهام، وكيف وصفوا رقة صوتها وغنجها حتى أصبحت الموضوع الرئيسي لهم، موضوعاً خصباً وغنياً في الشعر العربي، يستدل به حتى في ترجمة التغيرات الإجتماعية والثقافية والسياسية في المجتمعات العربية .
الرقيق عُرِفَ عن العرب قبل الإسلام بغزوه لجارهِ، وإذا ما تغلبَ عليه، ساق أنعامه وحملَ نساءه وتصرفَ بهن كما يتصرف بالأسلاب الحربية، لذلك كان ينظر إليها كأي متاع آخر. والأنكى من ذلك فيما إذا توفيَ الأب استولى إبنه الأكبر على نسائهِ وأصبحن زوجات لهُ، باستثناء الأم التي أنجبته فكانت تنجو من تنفيذ مثل هذه الشريعة الجائرة والمجحفة. أما في عصر الفتوحات والغزوات الإسلامية فقد أخذ عدد الجواري يزداد حتى بلغن مئات الألوف، فمثلاً بلغت غنائم "موسى بن نصير" فاتح المغرب سنة 91هــ ، ثلاثمئة ألف رأس سبي، بعثَ خُمسها إلى الخليفة " الوليد بن عبد الملك". وقيل إن موسى هذا عندما جاء الى بلاد الشام استقدم معه ثلاثين ألف ((عذراء)) من الأُسر القوطية النبيلة . وللنخاسين خدعهم كانت النخاسة من التجارات الرائجة حيث شكلتْ جزءاً من التاريخ الإقتصادي والإجتماعي قبل الإسلام، وكان النخاسون يحتالون في إبراز جمال الجواري المعروضات وإخفاء عيوبهن، ويقول بعض النخاسين : ــ (( ربع درهم حناء يزيد ثمن الجارية مئة درهم فضة)) وبهذا ندرك حجم الخديعة والحيلة التي كان يلجأ اليها النخاسون للتمكن من ترويج تجارتهم. ولا يغفل الكاتب الدكتور (جبور عبد النور) بأن يذكر لنا أنواع الجواري وأثمانهن، فللهنديات اللواتي يتميزن بحسن القوام , والقندهاريات المنفردات بدقة الخصور وطول الشعور, والبربريات المطبوعات على الطاعة . مروراً بالتركيات الجامعات بين الحسن والبياض والنعومة, وصولاً إلى الروميات بيض شقر سباط الشعور، زرق العيون. ولأبي نؤاس نصيب شهد العصر العباسي ازدهاراً ملحوظاً في الحياة العامة. وذلك للإنفتاح الذي شهده ذلك العصر بالتفاعل مع الثقافات المختلفة، مما أسهم في الإنصهار مع العديد من الممارسات، بما في ذلك فتح الخمّارات أو الحانات . على الرغم من أن هذه (الخمّارات وشرب الخمور) لم تكن مقبولة من الجميع , وتحديداً الفقهاء والميالين إلى الالتزام بالشريعة الإسلامية . وعلى ما ذكر بهذا الشأن فإن (الخمّارات) المشهورة تقع خارج المدن المحفوفة بالكروم والأشجار، فيقصدها عشاق الخمرة واللهو ويقيمون فيها أياماً، ويُذكر أن ((أبو نؤاس)) عندما نوى على الحج، ووصل إلى خمّارة واقعة بين الكوفة والقادسية ؛ ذاق خمرها، فاستطاب له الأمر فتحول عن عزمه واستقر فيها يشرب ويتمتع ، ولما وفد أوائل الحجاج العائدين من المناسك، فكرَّ معهم راجعاً إلى بغداد وكأنه كان منهم !!
الجواري المثقفات إن الجواري المسبيّات من بلاد الأعداء اللواتي تم نقلهن الى ديار الإسلام هن أكثر تقبلاً للتعلم والحفظ. فينصبُّ تعليمهن أو تهذيبهن بأخلاق البلاط والأسر النبيلة، أما اللواتي يُنقلن إلى الديار وهن صغيرات السن، فبهذه الحالة تكون قابلية التعلم والحفظ يسيرة, ولهذا يحرص العرب عليهن حرصاً شديداً. لدرجة تصل الى مستوى الغلو، بالشكل الذي يكون موضع فخر بالنسبة لأصحاب الجواري. كما تتطرق الدراسةالى أنّ "هارون الرشيد" هو أول من بالغ بتفضيل الجواري وتقريبهن. فمعظم أولاده كانوا أبناء إماء ونذكر منهم : عبد الله المأمون، فأُمه فارسية يقال لها "مراجل" والقاسم المؤتمن وأمه يقال لها "قصف"، ومحمد أبو إسحق المعتصم وأمه يُقال لها "ماردة" ، وهي تركية الأصل. وكثيراً ما كانت الجواري يشتركن في المؤامرات التي تحاك في البلاط عند خلع خليفة ومبايعة آخر. بل وصل الأمر في بعضهن بأنْ يقمن بأدوار حاسمة في تاريخ العباسيين، مثل الجارية "ام المقتدر" الذي ولّاه الأتراك وهو صبي في سن الثالثة عشرة من عمره، ظناً منهم أن بوسعهم التصرف بإسمه بخصوص شؤون الخلافة لضعفه وصغر سنه. لقد أراد الكاتب من هذه الدراسة أن يعكس لنا موضوعة جديرة بالدراسة والإهتمام وهو دور (الجواري) في الحياة العامة الإجتماعية والسياسية، وكيف أثّرتْ على الأصعدة جميعها، من خلال مشاركتهن في الفنون كالشعر والموسيقى , والنفوذ في الخلافة الأموية والعباسية، والأثر التاريخي الذي كان واضحاً في التعليم والتلقين , بل واعداد خلفاء المستقبل، نعم لقد انعكس تأثيرهن على الحياة العامة بكل تفاصيلها وجوانبها في تلك الحقبة من الزمن . |
المشـاهدات 17 تاريخ الإضافـة 28/07/2025 رقم المحتوى 65193 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |