
![]() |
قراءة في رواية "امرأة الظل" للكاتب عبدالرضا صالح محمد : |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
عبد الكريم حمزة عباس
تجسيّد الغياب في امرأة: في روايته "امرأة الظل"، يواصل الكاتب عبد الرضا صالح محمد مشروعه السردي القائم على مساءلة الذاكرة، وإعادة إنتاج العلاقة الملتبسة بين الفرد والمجتمع، بين الإنسان وظله، بين الحياة وحقيقتها المتوارية خلف الأستار. إنها رواية تكتب من تحت جلد التجربة، وتغزل خيوطها من خيوط الغياب، لتخلق بطلتها لا من لحم ودم، بل من رماد الحنين. يشكّل عنوان الرواية "امرأة الظل" بوابة تأويلية واسعة، تفتح الباب منذ البدء أمام قراءة رمزية لشخصية المرأة التي لا تظهر بوصفها كيانًا جسديًا واضحًا، بل بوصفها تمثيلاً لغيابٍ حاضر، ولرغبة لم تكتمل. إنّها "ظلّ" بكل ما يحمله الظل من معنى: التبعية، التماهي، الاختفاء، الإغواء، وأحيانًا الكوابيس. العنوان لا يحدّد، بل يضلّل عمدًا، ويجعل القارئ يلهث وراء ما لا يُرى، وهو ما سيتكرّس لاحقًا عبر البناء السردي. ينبني السرد في الرواية على تقنية اللاخطية، حيث يُوزّع الكاتب فصول الرواية على ومضات من الذاكرة، تتناثر في زمن لا يستقر، مستعينًا بأسلوب التقطيع السينمائي وكأنّ النص شريط من الصور المعتمة. يعتمد السارد غالبًا ضمير الأنا، لكنه يتنقل بسلاسة بين زوايا متعددة للرؤية، مما يضفي على النص بعدًا تعدديًا في التلقي. نحن أمام سرد داخلي أقرب إلى المونولوج الذهني، حيث يُستدعى الماضي عبر استرجاع يختلط فيه الواقع بالحلم، والوقائع بالظلال. تمثل "امرأة الظل" في الرواية أكثر من مجرد شخصية نسوية. إنها تجسيد للحنين، للذاكرة الغامضة، وللفقد الذي لا يبرأ. لم يقدّمها الكاتب بصيغة تقليدية، بل جعلها رمزًا مركزيًا يطارد البطل، ويأخذه إلى قيعان روحه المتعبة. المرأة ليست هنا مشروع حب، بل مشروع فشل، وهي ليست موضوعًا للرغبة، بل مصدر اضطراب داخلي. وجودها اللايقيني يعكس تمزق الهوية الذكورية في مجتمع مضطرب، كما يعبّر عن قلق الذات إزاء الآخر الأنثوي الذي يتوارى كلما اقتربنا منه. يُلاحظ في الرواية توظيف لغة شعرية مشبعة بالتأمل، تصف الأشياء ببطء وتأمل، وتغوص في التفاصيل اليومية لتستخرج منها نصوصًا موازية. فكل جملة تبدو كأنها محاولة لالتقاط لحظة هاربة من الزمن. لا يسعى الكاتب إلى التشويق الخارجي بقدر ما ينحت التوتر الداخلي من خلال التكرار، التقطيع، والمفارقة. كما يتّسم الحوار بندرته، مما يعزز الطابع الانطوائي للنص، ويجعله أقرب إلى اعتراف داخلي طويل. الزمن في الرواية مضطرب ومفتّت، لا يتبع منطقًا خطّيًا، بل يُستعاد عبر ومضات من الذاكرة التي لا تخضع لتسلسل واضح. أما المكان، فغالبًا ما يأتي رمزيًا ومشوّهًا، كأنما يراد به أن يكون مرآة للداخل. من البيوت الضيقة إلى الشوارع الخاوية، ومن المقاهي الخربة إلى غرف الذاكرة، لا يوجد مكان آمن. كل الأمكنة هنا مسكونة بالوحشة، وكأنّ الكاتب يقول: الظلال تسكن المكان كما تسكن الروح. تحمل الرواية عمقًا نفسيًا وفلسفيًا في آن. فهي تحاور مفاهيم مثل الهوية، الغياب، النسيان، الموت الرمزي، والاغتراب الوجودي. والراوي – بوصفه ذاتًا مهزوزة – لا يبحث عن امرأة، بل عن معنى، وعن إجابة لسؤال لم يُطرح بصوتٍ عالٍ. نلمح أثرًا من الوجودية السوداء في مقاطع التأمل، حيث تُصوَّر الحياة على أنها فقدٌ دائم، وهشاشة لا تعوَّض. "امرأة الظل" ليست رواية حب، بل رواية فقد. ليست رواية عن امرأة بعينها، بل عن المرأة كرمز للظل الذي لا يمكن الإمساك به. إنها رواية مكتوبة من قلب الصمت، حيث الكلمات تقف على حافة المعنى، وتكتفي بالإيماء أكثر من التصريح. بأسلوبه الحذر والملتزم بالتأمل، نجح عبد الرضا صالح محمد في تقديم نص يعيد تعريف العلاقة بين الذات والآخر، بين الضوء والظل، بين القول والصمت. رواية لا تصلح لمن يبحث عن قصة واضحة، بل لمن يقبل بالتيه كطريقة للمعرفة. ============== |
المشـاهدات 73 تاريخ الإضافـة 02/08/2025 رقم المحتوى 65330 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |