لا مندوحة من القول، ان القيم الانسانية هي المحرك لسلوك الانسان والموجه له، فكلمة كان الانسان حاملا للقيم الإنسانية كلما كان بعيدا عن المشاكل والخلافات والجرائم ، والعكس صحيح . ولفهم القيم يتطلب اعطاء نماذج من الواقع ليترسخ في الضمير ويكون السكة التي تسير عليها افعاله. وفيما يأتي واقعة توضح قيمة القناعة . واقعة أخبرنا بها زميل يعمل وكيلا للمواد الغذائية، رأيت أنها جديرة بأن تُدوَّن، وتُكتب في أدبيات واخلاقيات الإنسان كنموذج للنزاهة والضمير الحي، وكذلك تُضاف كواقعة إلى مادة أخلاقيات المهنة التي تُدرَّس في الجامعات العراقية، وتتلخص في الآتي:يقول الوكيل: جاءني شخص ولديه حصة في مواد غذائية للفئات المشمولة بالرعاية الاجتماعية - الأسر المتعففة - قال لي بالحرف الواحد: أنا لا اريد أستلم حصتي من الرعاية الاجتماعية بعد اليوم ! قلت له: لماذا؟ قال: لقد وقَّعت عقدًا لمدة سنة مع إحدى الشركات الأهلية بالعمل لديهم بأجر يومي 45000 دينار، والحمد لله هذا الراتب يكفيني وعائلتي وزيادة. ولذا فإني توجهت بعدها إلى دائرة الرعاية الاجتماعية وأبلغتهم بأني وجدت عملاً بفضل الله وامسحوا اسمي من قيد الرعاية فإني لا أحتاجها، لعل هناك إنسان آخر محتاج يأخذها نيابة عني. قال الوكيل له: أنت وقَّعت على عقد لمدة سنة، وبعدها ماذا تفعل في حال عدم تجديد العقد من الشركة؟قال الرجل: ربك الذي خلقنا ما ينسانا، مثل ما هيأ لي العمل الآن، أنا متأكد سيفتح لي أبواب الخير والستر والسلامة!!!!يقول الوكيل بعدها: (عمي إذا كل واحد يفكر مثلك ما راح يبقى لا جشع ولا طمع ولا أكل حق الناس). عمي روح الله يفتحها بوجهك. وذهب الرجل ووجهه مليء بالرضا والابتسامة.ونحن نقول: هذا الموقف الإنساني إن دل على شيء إنما يدل على أن ضميره حي، وأنه تربى على احترام حقوق الناس، والرضا بالعيش بالحلال، وقد غرست القيم فيه منذ نعومة اظافره. فمثل الإنسان أعلاه، يكون خفيف الظل وأمثاله من الذين يعملون بأعمال حرة، او الموظفين، إذا كان حقه ويتركه، فمن باب أولى أن لا يسرق أو يرتشي أو يتعدى على حقوق الناس، وبالتأكيد لا تتحرك نصوص قانون العقوبات ولا قانون هيئة النزاهة بحقهم ولا إجراءات قضائية ولا تُفتح السجون أبوابها لهم ولا تتكبد الدولة مصاريف تثقل كاهلها...حاصل الكلام، رحم الله الإنسان الذي يزكي نفسه بالأخلاق الحميدة، ويحمل القيم الانسانية، وتكون موجهة لسلوكه؛ فالحياة تصبح ذات معنى ايجابي وجميل عندما يكون الإنسان نقياً، يعرف حدود الخطأ من الصواب. وفي هذا المقام يقول سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم: " كن ورعا تكن أعبد الناس، وكن قنعا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلما، وأقل الضحك ؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب".