
![]() |
العقول ميدان الحرب النفسية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص : لم تعد الحروب كما عرفها الأجداد، مدافع وبنادق وخنادق، بل غدت أكثر دهاءً وهدوءاً، حرباً تُخاض في العقول لا في الساحات، وفي الوعي لا في الحدود. إنّها الحرب النفسية؛ المشروع الأخطر الذي يراهن عليه خصوم العراق، ساعين إلى تحويل أبنائه إلى قطيعٍ يساق من إشاعة إلى إشاعة، ومن فوضى إلى أخرى، بلا ثقة في الذات ولا يقين في المستقبل.
اليوم، ونحن نرى عراقاً يتعافى بخطى متواضعة، يشتد استهدافه أكثر، وكأن استقراره ذنب لا يُغتفر. فالمشروع يُغذَّى من الداخل عبر بعض القوى التي ترى في قوة الدولة تهديداً لمصالحها، ويُدعَم من الخارج عبر أدوات إعلامية وإقليمية تسعى لإبقاء العراق ضعيفاً، خشية أن يتحوّل استقراره إلى قوة متنامية تؤثر في موازين المنطقة. إنها لعبة موازين، لا تبحث عن شراكة بقدر ما تبحث عن إدامة التشرذم.
الحرب النفسية ليست دعوة إلى الحوار، بل إلى الانكسار. لا تقنعك، بل تزعزع يقينك. لا تواجهك بالسلاح، بل تُقنعك أن السلاح بيدك عديم الجدوى. غايتها أن تنخر في الروح العراقية، فتزرع الشك مكان الإيمان، والخوف مكان الثبات، والفوضى مكان الاستقرار.
وما نراه اليوم من حملات منظمة على مواقع التواصل الاجتماعي مثال واضح على ذلك؛ حيث تنتشر أخبار مزيفة بصياغة متشابهة، تُضخّم أي حادثة صغيرة، وتُضفي عليها طابع الكارثة، بينما تُتجاهل إنجازات حقيقية أو يُسخَر منها وكأنها لا تعني شيئاً. واللافت أن هذه الحملات تأتي متزامنة، كأنها صادرة من غرفة عمليات واحدة، هدفها ليس الإخبار بل التأثير، لا النشر بل التشكيك.
كذلك تلعب بعض الفضائيات دوراً خطيراً في هذا المشروع، إذ تتحول من منابر إعلامية إلى منصات نفسية، تُعيد بث رسائل محبطة ليل نهار، فتجعل المواطن يشعر أنه محاصر بالفشل، وأن بلده غير قادر على النهوض، حتى وهو يرى بأم عينيه أن الواقع يسير بخطى، ولو بطيئة، نحو التعافي.
لقد أثبتت الوقائع أن هذه الحرب لا تُدار بوسائل تقليدية، بل بأدوات العصر: جيوش إلكترونية، خطاب مشحون بالكراهية، تضخيم للأزمات الاقتصادية، تسخيف للإنجازات الأمنية والسياسية. وفي النهاية، الهدف واحد: جعل العراقي يعيش في دوامة اللايقين، فلا يثق بجاره ولا بدولته، ولا حتى بنفسه.
لكن، ما يغفل عنه صناع هذه الحرب، أنّ العراقي الذي وُلد من رحم الأزمات وواجه الطغاة والغزاة، لا يُهزم بالهمس والظلال. صحيح أن المعركة قاسية، لكنها أيضاً فرصة لإعادة تعريف الهوية والوعي. فحين يدرك العراقي أن المعركة ليست في الحدود، بل في الوعي، وأن النصر يبدأ من ثباته على قناعته وإيمانه ببلده، فإن المشروع سيفشل مهما طال.
إن ما نعيشه اليوم ليس سوى فصلٍ من فصول حرب طويلة، لكن الوعي هو السلاح الذي لا يستطيع العدو نزعه. والوعي العراقي، إن نهض، سيحوّل الحرب النفسية إلى عبء على صانعيها، ويُعيد للعراق صلابته التي يخشاها الجميع. |
المشـاهدات 28 تاريخ الإضافـة 20/08/2025 رقم المحتوى 65859 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |