السبت 2025/8/23 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 35.95 مئويـة
نيوز بار
مخيفة و مرعبة ... الشعر أسئلة المحنة قراءة في قصائد الشاعر اشتياق موفق الخليل شاعر البراءة ..
مخيفة و مرعبة ... الشعر أسئلة المحنة قراءة في قصائد الشاعر اشتياق موفق الخليل شاعر البراءة ..
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

شوقي كريم حسن

 

 

مجموعة النصوص التي بين يدي تعبر عن تجربة شخصية مؤلمة تجمع بين البراءة المفقودة والقهر العميق، عبر سرد شعري يحكي رحلة طفولة كانت مليئة بالأحلام والموهبة، لكنها اصطدمت بقسوة الواقع وقهر غير مرئي. في قصيدة ( العاب مخيفة ) العنوان نفسه مخيف ويعبّر عن خبرة الشاعر القوية في اختياره للعناوين و المفردات ، يبدأ النص الاول برؤية طفولة مفعمة بالألوان والفرشاة، التي قدمتها الأم كهدية تعبر عن الأمل في موهبة مستقبلية وإبداع لا محدود. هذه البداية تعكس نوعاً من البراءة والنقاء الذي تحمله الطفولة، حيث  الأفكار تتمحور حول خلق عالم جميل يضم خبزاً للجائعين، وسماءً للطيور، وألعاباً للأطفال اليتامى، وبيتاً للأحلام. هذا التصور يُظهر مشاعر الحنان والرحمة والتطلعات الطفولية النقية، كما أنه يرسم صورة عالم متخيل يمكن أن يحمي ويحسن من قسوة الواقع.

 

لكن سرعان ما تتغير الأجواء، حيث يكشف النص عن سقوط هذه الأحلام أمام قسوة الحياة أو ربما إرادة إلهية قاسية، تمثلت في سلب الأعصاب وترك اليدين المرتجفتين، في إشارة رمزية إلى فقدان القدرة على التعبير والإبداع، ربما بسبب مرض نفسي أو ضغط خارجي قمع الحلم. هذا الجزء يعبر عن الألم النفسي العميق والخذلان الذاتي، حيث يحاول الشاعر ملء قلبه بضحكات الأصدقاء وسخريتهم بدلاً من أن يكون ملؤه أغاني السلام والفرح التي تمثلها موسيقى “بوب مارلي”.

 

يأتي رمز الناي الخشبي تعويض مؤلم على فقدان المهارة التي كانت يومًا مصدر فرح، حيث يحاول الشاعرالتنفس في هذا الناي، يعزف، ويخلق صوتاً يبدو وكأنه هدير زامفير، لكن الحقيقة أكثر سوداوية، إذ لم يك إلا بقعة زيت شوهت قصائده، دلالة على ألم الإحباط والتشويه الذي ألم بحياته الإبداعية. هذا الانتقال من الفرح إلى التشويه يعكس صراع الإنسان مع ذاته وبين ما كان يمكن أن يكون وما أصبح عليه.ثم يتعمق النص في حكاية السقوط الكامل حين تتدخل صديقة الطفولة التي تمثل، ربما، قسوة المجتمع أو الواقع الذي لا يرحم. إنها التي تأخذ الشاعر من يده، تسبه أسفل الدرج، وترينا زاوية ركبتيها، كأنها تقول إن مصيره الانحناء والسقوط. تلميح إلى أن العالم الخارجي لا يحترم الموهبة أو الأحلام، بل يسخر منها ويطعنها، لكنه في الوقت ذاته يمنح الكاتب لقب الشاعر، كنوع من الإقرار المرير بأن الألم هو جزء من إبداعه، وأنه حتى لو كتب أجمل القصائد، فإنه وقع تحت وطأة خيبات الحياة التي أسقطته “تحت ركبتيها”.النص إذن ليس  سرداً لحكاية فقدان البراءة والموهبة، بل تأمل في المعاناة النفسية والاجتماعية التي قد تواجه الإنسان المبدع، إذ يقابل عالم مادي وقاسٍ هذه الأحلام، ولا يرحم السقوط ولا الفشل. حضور الرب فاعل سلبي يشير إلى القهر الإلهي أو القدر الذي لا يمكن التفاوض معه، وقد يكون رمزاً للصراعات الداخلية التي يحاول الكاتب فهمها والتصالح معها، أو رفضها بشدة.لغة النص تجمع بين البساطة والعذوبة مع رمزية عميقة، فهي في ظاهرها سرد عادي، لكنها تحوي في طياتها معانٍ مركبة ومشاعر متضاربة بين الأمل واليأس، الفرح والحزن، القوة والضعف. النص يمزج بين الحكي الواقعي والخيال، بين ما هو ملموس مثل الألوان والفرشاة والناي، وما هو رمزي كالأعصاب المسلوبة واليدين المرتجفتين والهبوط أسفل الدرج. هذا المزيج يصنع تأثيراً نفسياً قوياً على القارئ، يجعله يشعر بكل لحظة ألم أو فرح أو إحباط.، يحمل النص رسالة إنسانية مؤثرة عن التمزق الداخلي الذي يعيشه الإنسان حين يتعرض لقمع روحه وحلمه، وكيف أن الإبداع قد يتحول من فعل حر إلى فعل مقاومة تحمل بين ثناياها ألم العزلة والخذلان. إنه نص يعكس حساسية المبدع التي تلتقي مع قسوة الحياة، ليولد نصاً شعرياً يحمل في نبراته رعباً ومأسويةً لا تنسى.النص  يتسم بعمق حزين يشد المتلقي إلى عالم من الألم النفسي والاغتراب الوجودي، حيث يحكي عن خسارة الحب والارتباط العميق مع شخص عزيز، ويتحول بعدها إلى مواجهة مريرة مع الوحدة واليأس. بداية النص تستهل بفقدان الصديقة التي كانت ملاذًا للحب والأمان، لكن القدر - الممثّل بـ”الرب” – أخذها، وكأنها رحيق أزهار حدائقه، مما يرمز إلى الفقد الحتمي وغياب الأمل في استرجاع هذا الحب.

 

ثم ينتقل النص إلى قرار قاتم بإنهاء معاناة الذاكرة والاشتياق، حيث تعبر الجمل عن عزلة كاملة واختفاء كلي: لا حب، لا ذكرى، لا حزن، بل فراغ كامل مثل دمية قطنية تصرخ في مدينة مهجورة. هذه الصور تحمل دلالات عميقة على فقدان الذات والتهميش، وتعكس استسلامًا داخليًا مؤلمًا.

 

الرموز المستخدمة مثل “الكرسي الذي سأركله” و”لعبة الحبل” التي يُتمنى أن تكون المرة الأولى فيها، تلمح إلى محاولة الانتحار كخلاص من الألم، مع أمل خافت بأن لا يتدخل القدر هذه المرة ليوقفها، مما يعكس صراعًا نفسيًا مع الرغبة في التحرر من المعاناة.في الفقرة التالية، يتحول النص إلى خطاب موجه إلى “الجسر الذي انكسر بين السماء ونهرها”، وهو رمز قوي للوصل المقطوع بين الأمل والواقع، بين الروح والجسد، أو بين عالمين متناقضين. الجسر في النص هو كذبة جميلة اخترعها الفرح ليخدع نفسه، ويصف بأنه معلق على خيط وحيد، ما يبرز هشاشته وضعفه رغم كونه رابطًا مهمًا. تضاد وصف الجسر بأنه أطول من أن تصل إليه الطيور لكنه أقصر قليلاً من سكين الماء يخلق شعورًا بالغموض والتوتر.تتابع النص بنصائح وتحذيرات مفعمة بالصور القوية والمشاعر المكثفة: عدم إهمال “الشبح الملقى أمام المقهى” الذي قد يمثل الذكريات المؤلمة أو الألم المكبوت. ثم تأتي استدعاءات للوحدة، الموصوفة كعصفور مبلول بين أصابع، ورقصات تختنق، وذاكرة تنزف، وحروب تفتت المدن إلى ملح أسود. هذه الصور تعكس بشكل مكثف الألم النفسي والعنف الذي يعيشه الكاتب أو الشخص المتحدث، وتصور المدينة أو الوطن كمكان ميت وجثّة بانتظار نهايتها، يبتلع أطفاله ويخنق صرخاتهم، وهو تصوير مؤلم للغاية يعبر عن الفقد والدمار الاجتماعي والسياسي.اللغة في النص مشحونة بالرمزية والبلاغة، فالصورة الشعرية تستخدم التناقضات والمفردات الحسية القوية لتعبر عن مأساة داخلية وخارجية. كما أن النص يستخدم التكرار والنداء المباشر لإحداث تأثير نفسي عميق وإشراك القارئ في الصراع الداخلي. النص  رحلة من الفقد إلى اليأس، ومن الحب إلى الوحدة المطلقة، مع استحضار الرموز التي تعكس هشاشة الحياة البشرية وسط قسوة العالم، ويبرز المعاناة النفسية والوجدانية التي تصل إلى حدود الرغبة في الانفصال الكامل عن الواقع. هذا النص يتجاوز البعد الشخصي ليحمل في طياته انعكاسات اجتماعية وإنسانية أوسع، ما يجعله نصًا غنيًا وجدانيًا وفكريًا يستحق التأمل العميق. “انتصارات گلگامش المهزومة” يحمل في طياته سرداً شعرياً عميقاً يربط بين تجربة شخصية قاسية ومآسي وطنية متجذرة في الذاكرة العراقية. يبدأ النص بصورة الشاعر عارياً، مكشوفاً، يتعرض لعاصفة رعدية في شارع بغداد، وهذا المشهد يعكس الضعف والتعرض للانكشاف في وجه المصاعب والآلام التي تحيط به. البرق هو الضوء الوحيد، رمز لحظة الوعي أو الحقيقة المضيئة وسط الظلام.

 

المسافة بين الحانة والبيت تعبر عن التوتر بين الملاذ المؤقت والعودة إلى الذات، حيث أن الحانة تبدو قريبة كخيار للهروب، والبيت بعيد كرمز للأمان الحقيقي الذي يصعب الوصول إليه في ظروف الحرب والدمار. المطر يتوعد بأصابع مقطوعة، وهو تعبير عن الألم والجراح التي لا تلتئم، وتأتي الصور المتكررة للمطار والحمار والمسافات لتعكس حالة التشرد والاغتراب.الرؤية التي تتجلى في تعبير “الثياب بصقة المرآة” و”تهشمت منك يا رعدُ مرآتي” تنقل إحساساً بالتحطم النفسي وفقدان الهوية، فالمرآة التي تعكس الذات باتت مكسورة أو مشوهة. البرق الذي يضيء الهيكل العظمي يشير إلى كشف الجوهر الداخلي المكشوف، ربما هشاشة الإنسان أمام الظروف القاسية.ارتباط الشاعر بشخصية جلجامش، البطل الأسطوري الأعرج، يرمز إلى المعاناة والتعبير عن أوجاع العراقيين المتعددة، حيث يسير بجانبه كظل على عكازين. الحانة تمثل المكان الذي يلتقي فيه الحزانى الذين ينظرون إلى مرآة الألم، ويعكسون صوراً من الجروح المتعددة: العرج، العور، العمى، والشنق. هذه الصور تعبر عن شظايا إنسانية مكسورة لكنها محتفظة بجمالها الداخلي وكرامتها رغم المعاناة.النص يشير إلى الفقر والدمار الاجتماعي من خلال وصف العراقيين بأنهم أجمل وأجدر بالحياة، رغم كل ما حل بهم. المشاعر تجاه الوطن هي خليط من الحب والأسى، كما في تصويرهم كالغيوم والندى، ما يدل على هشاشة وحيوية في آن معاً.

 

النهاية تتميز بحوار داخلي بين الشاعر وأهله، حيث تمثل الأم الأمان والضحك، في حين يمثل الأب الغياب والحرب المهزومة التي تخلف جراحاً نفسية عميقة، وغلق الباب خلف الشاعر رمز للانعزال والرفض. البكاء والنوم في الختام يعبران عن الاستسلام المؤقت والحاجة إلى السلام الداخلي رغم كل الجراح.

 

اللغة في النص تجمع بين الرمزية والواقعية، وتستخدم صوراً حية وحسية تعبر عن الألم النفسي والجسدي والسياسي. النص يدعو إلى تأمل عميق في المعاناة الشخصية والجماعية، ويكشف عن التمزقات التي تصيب الإنسان حينما يواجه واقعاً مريراً لا يرحم.

 

تأمل في نص «ما لم يبح به سركون بولص»

 

هذا النص  يحمل عمقًا إنسانيًا وشعريًا نادرًا، حيث يسلط الضوء على سرّية المعاناة الداخلية للشاعر، التي لا يمكن للآخرين رؤيتها أو فهمها بسهولة، حتى لمن يُشبهونه أو يرافقونهم في حياتهم اليومية.

 

يبدأ النص بوصف لحظات إنسانية بسيطة يعيشها الشعراء: «يقفون في صفوف الخبز، يقبلون خدود زوجاتهم، يلعبون الشطرنج بمهارة، يخرجون من الحانات باكرًا». هنا يصور الكاتب الشعراء كبشر عاديين، يعيشون تفاصيل الحياة اليومية، وهذا يعكس تماهيهم مع الواقع والناس، دون أي غرور أو ترفع.لكن فجأة، يتحول الوصف إلى الغرق، الغرق الرمزي الذي يمثل الصراع الداخلي العميق:

 

«أنهم قد يتركون أصابعهم عالقة في فم القصيدة، للغرق أكثر من طريقة…»

 

الغرق  ليس مجرد موت غرقًا، بل  حالة متعددة الأبعاد: الغرق في الحلم، في الحزن، في الزمن، في لحظة الوعي المؤلمة، التي تتجسد في «لدغة عقارب الساعة».

 

الغرق هو حالة الوجود الإنساني المعقدة، وهو الذي «تفشي سره الفقاقيع»؛ أي أن الغرق يحبس في داخله أسرارًا لا تُفصح، بقدر ما تنفجر الصور على السطح. رحيل الطيور، خيانة المطر، وقطع جدور الشجرة كلها صور تدل على فقدان الجذور والأمان، على ألم الفقد، وعلى الحتمية.«أن الحرية و تمرين الأجنحة على التحليق كانا سبباََ كافيا للرحيل»

 

هذه الجملة تؤكد أن السعي وراء الحرية، أو حتى التجربة الذاتية للانطلاق، قد تكون محفزًا على الهروب أو الفقدان. الحرية ليست فقط تحليقًا جميلاً، بل تحمل في طياتها ثمنًا قد يكون الرحيل.كذبة بيضاء في محل الوردالنص يسأل: «تكذب الأشجار؟ هل توقف نهرٌ عن الجريان؟» ويرد: «إنها كذبة بيضاء». هذه الكذبة البيضاء قد تشير إلى الأمل الزائف أو الخدعة التي نعيش بها، ربما في الحب أو في الشعر أو في الحياة نفسها. أما حضور زهرة الأوركيد والياسمين، فيعبّر عن جمال لا يزال قائماً وسط الوحدة والغربة.الختام هو ذروة النص في التعبير عن الموت القصيدة ليست فقط فعلًا إبداعيًا، بل  مأساة وانتهاء، نقطة الختام التي تودع فيها الذات عالم الكلمات. هذه الفكرة تعكس الألم الذي يحمله الشاعر، وتحول الشعر من حياة إلى موت رمزي.ماذا لم يبح به سركون بولص؟

 

العبارة المتكررة «ما لم يبح به سركون بولص» هي المفتاح العاطفي للنص، فهو يكشف عن أسرار مكبوتة وأوجاع لم تُقال صراحة في شعر سركون، أو ربما في حياة الشعراء عموماً. الإباحة في النهاية، «أباح به لي»، تكشف أن الكاتب هو من نقل هذه الأسرار، أو فتح باب الكشف عن ما كان مخفيًا.

 

النص هو تأمل شعري في أسرار الشعراء والكتابة، عن الغرق الداخلي والصراعات الخفية التي لا يبوح بها إلا القليل. هو احتفاء بالإنسانية المضطربة في عالم يختلط فيه الحلم بالمرارة، والحرية بالرحيل، والحياة بالموت.الشاعر يصف مشهده التمثيلي كبائع متجول يدعو المارة بأشياء لا تُلمس إلا بالخيال: «أحلام.. ذكريات.. أيام.. خيبات.. قصائد». هو هنا يعبر عن الحالة المؤقتة والهشة التي يعيشها، دور «كومبارس» لا يملك من الوجود إلا اللحظة العابرة.

 

التمثيل هذا رمز لتكرار الأدوار التي نلعبها في الحياة، أدوار قد تكون باهتة أو مهملة، لكننا نجتهد في تقديمها رغم صمت الناس ومشاغلهم.

 

وصف «شارع أهملته مكانس البلدية» يشير إلى الإهمال المجتمعي، إلى الفراغ الذي يعيشه الإنسان عندما يشعر أنه منسي أو غير مرئي.حمل «أحلامه على شاحنة القمامة» هو رمز قوي جدًا للخسارة، إحالة على نهاية المطاف القاتمة لأشياء كانت ثمينة، لكنها أُهملت أو لم يُقدّرها الآخرون.الحديث عن عرض الحياة «بالمزاد» وبيعها، هو استعارة للمصير الإنساني، حيث لا يبقى الإنسان إلا سلعة تُباع وتشترى، في عالم يسوده التجاهل والقسوة. والتساؤل عن المشتري وما سيفعل بهذه الحياة يطرح تساؤلات وجودية عميقة عن المعنى والقيمة.

 

الشاعر يقول «لست حزينا ولا سعيدا أيضا»، وهو تعبير عن حالة من الحيرة أو الجمود العاطفي، حيث يتداخل الألم مع اللامبالاة، أو ربما التسليم.

 

النص يعكس تجربة إنسانية تشبه التمثيل المؤقت على مسرح الحياة، تجربة الإهمال، التلاشي، وعدم الرؤية. هو صرخة داخلية ومحاولة للبحث عن معنى في عالم يبتلع الأحلام والذكريات بلا رحمة .

 

المشـاهدات 55   تاريخ الإضافـة 22/08/2025   رقم المحتوى 65896
أضف تقييـم