الأربعاء 2025/10/29 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
أسئلة كونية ووجودية وعلمية في... السائر
أسئلة كونية ووجودية وعلمية في... السائر
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

يوسف عبود جويعد

 

رواية " السائر" للروائية نادية الجبوري، رغم كونها من الروايات القصيرة، إلا أنها مكثفة  وعميقة في محتواها ومضمونها وشكلها، وتختلف من حيث البناء الفني عن الروايات التقليدية، لأنها تعتمد في عملية بنائها، وسياقها الفني والأدبي والثقافي، بكونها تطرح في فكرتها قضايا وجودية، وكونية، وفلسفية، وكذلك تنقلنا إلى العالم السفلي، في أحداثها غير المتخيلة من خلال المكان والزمان والذي هو (تل جريجس) الموجود فعلاً في منطقة الدورة، حيث تجري الأحداث في الثمانينيات من القرن الماضي، والذي يسكنه الجن وتهاب الناس المرور فوقه.

تبدأ المؤلفة سرد الأحداث بصيغة السيرة الأدبية، حيث تصف لنا الأحداث من خلال ذات الثانية للشخصية الأولى داخل النص الروائي، وتنقل الجو الموحش وهو يسير وسط أمطار شتائية غزيرة، وليل حالك السواد، ورعد وبرق، وطريق لا يعرف كنهه، ولم يمر فيه سابقاً، ووسط هذه الأمطار ووميض الرعد الذي يضيء ويخبو، يلمح شيئاً يلمع وسط مياه الأمطار، وعندما يقترب منه، يكتشف أنه دفتر مذكرات.

وهذه المذكرات هي المبنى الميتاسردي، الذي سوف ننتقل إليه بعد أن يصل بطل الرواية لمنزله، حيث نتابع حامد وأصدقاءه وهم يقررون الصعود للتل المسكون الذي يخافه جميع افراد القرية، وتبوء محاولتهم بالفشل، ويعودوا خائفين خائبين، والذعر يملأ كيانهم، إلا أن حامد يظل مشدوداً لهذا التل، فيجد نفسه وسط التل ويحيط به عالم غريب، حيث يرى نماذج من الناس لكنهم ليسوا من لحم ودم، بل من خشب.

وتشير المؤلفة في مقدمة روايتها، إلى تفاصيل تدخل ضمن توضيح متن هذه الرواية، حيث تقول:

" السائر:

ربما ستعصف بأفكارك الراكدة المستقرة التي تعلّمتها من محيطك، فتجعلها تتراطم فيما بينها، تحاول الهرب من قوقعة مفاهيم عقلك المسلم بها. هزات تهز المنطق العلمي الواقعي الذي نشأت عليه. من الممكن أن يتحطم بسببها بعضٌ من أفكارك، أو تخرج جميعها سليمة دون ضرر.. ربما ستجرب ولو قليلاً إطالة النظر فيما هو مغاير للحقائق التي ألفتها، فتجد هنا حقيقة مغيبة عنك وعن غالبية البشر، وربما ستجد خيالاً صرفاً لا وجود له!.."

وعندما نلج أحداث هذه الرواية ومن خلال المبنى الميتاسردي لها، أي دفتر المذكرات، سنكتشف أن كل ما ذكرته المؤلفة في مقدمتها صحيح، كون أن حامد وعندما يطوف فوق هذا التل المسكون، يجد صديقه مخلف، والذي يظنه حي يرزق بينما  نكتشف في لاحق الأحداث أنه مات منذ سنين، ويدور بينهما حواراً عميقاً، كونياً، وعلمياً، وفلسفياً، ودينياً، غائراً في العمق وفيه تفاصيل لم نعهدها، أو لم نفكر بها بعمق، ونمر عليها مرور الكرام دون تركيز، ففي هذا الحوار الذي يدور بين حامد ومخلف، نكتشف ومن خلال الجدل بينهما، أن الارض ليست كروية كما نظنها، وبأدلة مستندة على آيات من القرآن الكريم، ويذكر القرآن في هذه الآيات تارةً أن الأرض مفروشة، ومسطحة، وكذلك لها أركان لا يمكن التحكم  بها، والمزيد من الآيات التي تؤكد بأن الأرض ليست كروية، مع ذكر الآيات بدقة، كذلك يناقش المتحاوران مسألة الصعود إلى القمر، وبأدلة علمية تؤكد بأن هذه المركبات لم تصل القمر، والسبب يعود بأن الصور المنقولة كلها في الظلام، بينما نرى القمر منيراً، ويناقشان انعكاس الضوء، وتفاصيل كونية غريبة وتحتاج للتأمل والمراجعة:

"الكثير من الآيات القرآنية دلت على أن الأرض مسطحة وليست كروية فقد استخدم الله كلمات وصف بها هيئة الأرض مثل ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا﴾ والفراش مبسوط، ﴿وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا﴾، ﴿وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ﴾، ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا﴾ هل الكرة تُمَد وتُفرَش أم تُكَوّر؟ ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًاهل المهدد محدب؟ ﴿وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًاوالبساط مبسوط، والآية الأوضح من كل ما سبق هي ﴿وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ﴾" (ص 55)

وهكذا يدور الحوار في قضايا كونية وفكرية وعلمية، وكذلك الحال مع القمر، وغيرها من الجوانب العلمية التي تحتاج إلى مراجعة.

وبعد القلق الذي انتاب أهل حامد لغيابه فترة طويلة، يهرعون مع أهل القرية للبحث عنه، فيخبرهم أحد الاطفال أنه رأى من بعيد رجلاً ممداً قرب تل جريجيس يشبه حامد، فيتجهون إلى المكان المقصود فيجدوه ملقى على الارض غائباً عن الوعي.

تنتقل بنا المؤلفة عن بعض التفاصيل التي تخص حياة مخلف، حيث يقصد التلة مع رفاقه، إلا أنهم يعودون خوفاً، إلا مخلف الذي ظل وحده فوق التل، ويسمعون صراخاً مخيفاً ممزوجاً بصراخ مخلف الذي عاد إليهم مذعوراً، لا يستطيع الكلام من الخوف، وفي الصباح يستيقظ الناس على صراخ مدوي، ليجدوا مخلف مات غريقاً، وأهل بيته يؤكدون أنه كان نائماً ليلاً، كيف ومتى ذهب للنهر ليغرق، لا أحد يعرف:

"وكما أخبروني، فأن قصة التلبس الذي عانى منه حامد هذا، حقيقة، ولكن لم يعرف أحدٌ ما الذي دار بين حامد ورفيقه في تلك الليلة، فحامد رحمه الله بالفعل لم يكن يتذكر ما حدث بعد أن ناداه مخلف." (ص 93)

رواية " السائر" للروائية نادية الجبوري، تنقلنا وبأسلوب الوعي والفلسفة إلى أسئلة وجودية تحتاج الى التأمل، وكذلك تنقلنا الى العالم السفلي.

من إصدارات الورشة الثقافية – بغداد – المتنبي – لعام 2025

المشـاهدات 45   تاريخ الإضافـة 28/10/2025   رقم المحتوى 67772
أضف تقييـم