الأحد 2025/9/14 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 21.95 مئويـة
نيوز بار
التسامح في القرآن الكريم
التسامح في القرآن الكريم
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

عساف صالح احمد الدوري

التسامحُ في اللغة: هو التساهل وأستهل الشئ عده سهلاً والسهل والسهلة تراب كالرمل يجئ به الماء ومنه التسامح في الحق أو في اللفظ أي استعمال اللفظ في غير حقيقته وبالنتيجة فالمسامحة لفظة تستبطن المنّة والكرم . ويراد بالتسامح اصطلاحاً: موقفاً إيجابياً متفهماً من العقائد والأفكار يسمح بتعايش الرؤى والاتجاهات المختلفة على أساس شرعية الآخر المختلف دينياً وسياسياً وحرية التعبير عن آرائه وعقيدته.

من أهم المبادئ التي يقوم عليها الدين الإسلامي الحنيف والتي ساهمت أيما مساهمة في انتشاره بين محتلف الأمم والأعراق هو مبدأ التسامح بمفهومه الاجتماعي الذي ينصب على العلاقة بين أفراد المجتمع بعضهم ببعض، والديني الذي ينصب على علاقة أصحاب ديانة بأصحاب ديانة أخرى، والسياسي الذي ينصب على العلاقة بين الحاكم والمحكومين والعلاقة بين المسلمين وبين الأمم الأخرى في المجال السياسي. وعلى الرغم مما تنطوي عليه العلاقات السياسية والعمل السياسي من قيم قد تبدو متناقضة مع مفهوم التسامح ومقتضياته مثل الصراع والمساومة والاصطفاف، إلا أن الإسلام تجاوز هذه التناقضات الظاهرية وأضفى على العلاقة السياسية بين المجتمع والدولة وبين الأفراد وبعضهم البعض وبين الدولة الإسلامية وغيرها من الدول طابعاً سلمياً قوامه التسامح؛ فقد أشار القرآن الكريم في عدد من الآيات التي دلت بسياقها ومضمونها على مبادئ فلسفية عظيمة تمثل أسمى ما وصلت إليه الإنسانية من قيم تصب في سلوك الإنسان القويم.

ففي مجال العلاقة بين الحاكم والمحكوم أسس القرآن الكريم العلاقة بين الحاكم والمحكوم على قاعدة ذهبية من التعاقد الشرعي بين الجانبين قوامه التزام كل منهما بتقديم واجبات هذا التعاقد. وقد تواتر التأكيد على هذه المبادئ في أكثر من موضع في القرآن الكريم. وهو ما يتضح في النصوص التالية: "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا* يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا" سورة النساء الآيتين 58 و59. وتدل هاتان الآيتان الكريمتان بصورة واضحة على أن أساس العلاقة بين الحاكم والمحكوم هي التعاقد بينهما على أن يقوم الحاكم بأداء الأمانة التي أتومن عليها وهي الحكم على أكمل وجه،

وفي مجال العلاقة بين المسلمين وغيرهم قال تعالى: "فإن اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا إليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلاً" (النساء/91). وهنا يوضح الكتاب العزيز أنه حين يجنح غير المسلمين إلى الكف عن قتال المسلمين، يجب على المسلمين أن يكفوا عن قتالهم أيضاً. ولا يخفى أنه مثل هذا السلوك من شأنه التمهيد لإقامة علاقة سلام كاملة بين المسلمين وغيرهم في إطار من الود والتسامح. كما أكدت على هذا المعنى الآية 91 في سورة النساء، حيث تقول "ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم"، أي يطلبون الأمان بأن لا تنشب معكم معارك. وقد عززت هذا الخطاب بقوله تعالى: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه سميع عليم". وتمهد تلك الآيات للحكم النهائي على العلاقة بين المسلمين وغير المسلمين الذي ورد في الآية 13 من سورة المائدة "فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين"، وكذلك الآية 166 من سورة الأعراف: "خذ العفو وأمر بالمعروف وأعرض عن الجاهلين".

إن نهج التسامح في العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين المسلمين وغيرهم الذي اختطه لنا الخالق سبحانه وتعالى هو نهج جدير بأن نجعله نصب أعيننا جميعاً وأن نهتدي بهديه.

وهكذا فإن التسامح يعد أحد الفضائل الإنسانية التي ترتقي بالنفس البشرية إلى مرتبة سامية تتحلى بالعفو واحترام ثقافة الآخر، وهو ضرورة اجتماعية لما له من أهمية بالغة في حماية النسيج الاجتماعي، لضمان تحقيق السلم الأهلي والأمن المجتمعي، والقضاء على الخلافات والصراعات بين الأفراد والجماعات.

وإننا في وطننا العربي وكأمة مسلمة آمنت بربها واهتدت بهدي نبيها، مطالبون أن نعمّم ثقافة التسامح والتواصل التي تشكّل صمام الأمان لعالم مطمئن ومزدهر ومتقدّم، كما تشكّل الأساس المتين لعلاقات طيبة على مستوى الأفراد والمجتمعات، لذا من واجب الجميع العمل على نشر قيم وفضائل التسامح حتى تصير ثقافة عامة، فنعيش جميعاً في عالم مطمئن متقدم، وفي مجتمع ينعم بالأمن والأمان

المشـاهدات 9   تاريخ الإضافـة 14/09/2025   رقم المحتوى 66634
أضف تقييـم