
![]() |
عالم الزوال في ... هاجس الزوال دراسة نقدية |
![]() ![]() ![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
النـص :
يوسف عبود جويعد المجموعة الشعرية " هاجس الزوال" للشاعر جابر السوداني، نسنبط من خلالها تقنات وعملية صناعة القصيدة الشعرية، ويظهر ذلك من خلال ما يمتلك الشاعر من خبرة وممارسة في عملية صناعة القصيدة الشعرية تمتد لاكثر من خمس عقود، فنجد ملامح البناء الفني للقصائد الشعرية التي ضمتها هذه المجموعة الشعرية، واضحة في تشكيلها وتكوينها واستحضار الادوات والعناصر والركائز المطلوب، فيبدو لنا كل نص شعري كتلة متماسكة منسجمة متصلة ببعضها البعض دون أي حائل يحول بينها وبين انسيابيها وايقاعها الذي لاينقطع الا بإنتهاء آخر مفردة من القصيدة، كما نجد أن المفردات الشعرية التي صيغت بها كل قصيدة هي مفردات دالة وتحمل الكثير من المعاني ، المضمرة خلف صورها الاستعارية ، كما نلمس ونحن نواصل قراءة القصيدة بأننا نتوغل الى عالم شعري، صافي نقي كون تلك المفردات تحمل الحس الدرامي للشاعر فيمنحها تأثير نابع من أعماق الروح الملتهبة بالأسى، والآيلة للزوال، وكأنه يرى النهايات تطوف في كل زاوية من زواية النص الشعري، فينطلق بلوعة حرة قاسية، وهو يتداعى مع كل صورة شعرية ليحيلها الى عالم من الاسى والحزن، الذي يشير الى هذه النهايات، أو يعيدها الى العالم الأول الذي كان ينبض بالحياة والحب والخير، ومرح الطفولة أو عنفوان الشباب، فتستقر سريرة نفسه، ثم يعود الى هاجس الزوال الذي يرافقه لتمتلأ النفس بالهموم، وتضيع هائمة سابحة في عالم الشعر الذي ينقلها من رؤية فنية الى أخرى. هكذا هو هاجس الشعر لدى الشاعر جابر السوداني، الذي يضخ في كل قصيدة تداعياته ولوعاته وهمومه وحزنه وخيباته وانكساراته، ويضع أيضاً خيبات العالم، وما وصلت اليه العلاقة الانسانية، ويصور الخراب، والدمار، وفراغ الروح من الفرح والسعادة،. وكل تلك الارهاصات والانفلاتات الحرة والانقلابات الملتهبة نابعة من أعمق أعماق العالم الشعري ومنبعثة منها، تنبض بالحس الملتاع، ليبقى شاعر يطوف حول قصائده وهو يشعر بأن الزوال قادم، وأن كل الاشياء ما عادت كما كانت. ويمنحنا الشاعر فرصة طيبة للدخول في عالمه الشعري، دون أي عائق يحول دون ذلك، مثل المقدمة ، أو الاهداء، أو مقولة لاحد الكبار من الادباء، بل أننا نلج بشكل مباشر الى حيث القصيدة الشعرية. وفي قصيدة " اليأس" نتابع أولى رحلاتنا، نحو تداعيات الروح الذي لامسها الزوال، وظلت تبحث عن ضوء التنفذ منه نحو الخلاص: وحيداً مثل المخمور أترنح في قلبِ الأعصار وفي رابعة الليل أبحثُ في ذروة عتمتها عن مرقاةٍ تحمل وجهي من هذا الفر المُضني لسموات من بلورٍ أزرق ما للأرض تميدُ بخطوي؟ وفي موطن آخر من القصيدة ، تزداد هذه المناجاة الروحية الهائمة في ملكوت الشعر: أمهلني يا زمن الخيبات رويداً أسترجع من ظلمات الغيهب خطوي التائه منذ صباي وأبدأ رحلةَ وجع أخرى ما زالت في الروح بقية عشقٍ صوفي السِّمة وفي قصيدة " عرزال أديبة" نجد الشاعر يتغزل بأمرأة، لكنه غزل من عسل وشعر: بهدوء تنشقُ الغيمةُ عن وجه أمرأة أعرفها آنسةٌ تتصبب عسلاً مثل مذاق التين شهية تستدرجني مأخوذاً بشميم أنوثتها وهكذا نجد بأن قصائد هذه المجموعة، تضمر عالم من الزوال والاقتراب من النهايات، لتستعيد لذكرياتها من أجل مده بالحيوية والعنفوان، وفي قصيدة "تهويم" نجد الشاعر غارقاً في هذه المشاعر : فجأة تغيرت الأشياء حولي وتغيرت أنا لم أعد أشبهُ نفسي التي ألفتها منذ ولادي وذاكرتي التي كانت تعود دائماً إلى الوراء تلتقط ما تناثر منها على قارعة السنين الماضية وهكذا نزداد توغلاً في عالم الزوال والتيه، وفي قصيدة " خرافة الأزمنة" نجد الشاعر يشد الاشياء معه وهو هارباً إلى المنفى: وخلفي جاءت الأشجار تجر عروقَّها جزعاً وتتبعني إلى المنفى تشاطرني التسكع في مطاوي البيد مفجوعين نبحث عن كرامتنا وعن حلم طفولة جفّ واحترقت بقاياه الجميلة في محاجرنا وفي قصيدة " عشق مسعور" نتيقن من خلال مضمون هذا النص الشعري، بأن العشق يكون مسعوراً، اذا بعدت المسافات وكبرت، وصار الوصال مستحيل: أنين قصائدي المستعرْ ما زال يثير الشجنْ وتراكمُ الأزمنة حال بين صوتي وبينك فأصبحتِ بعيدة جداً لاتسمعين كلما ينطفئ في جسدي حريق تعود أصابعك الماكرة توقد تحت رماد اشتعالي جذوة أخرى وحزناً عميق ويعيد الشاعر ذكرياته في مساءات المدن الريفية في قصيدة " بنات القرى" هرباً من عالم الزوال ، الى تلك الاجواء الريفية المفعمة بروح الطيب: أحلام العذارى في مساءات المدن بوح لذيذ ونفحة في ذروة الصيف باردة تجيء من عتمة السطوح في المساء أما أنتِ ستبقين دائماً قروية المزاج تعتريك عزلة الريف في أقاصي القرى وتتلاشى عن وجهك الغض نضارة الصبا أما قصيدة " عزلة في شتاء المدينة" فنعود بها لملامح هذا الشاعر الذي استوطن القصائد، لعيش هم الزوال والنهايات، منكسر محطم: في مساءات الشتاء الباردة يحتضن الواجهات غبش كثيف وتنطوي على نفسها الأزقة كأنها مقبرةٌ نائية تتسارع الخطى الراكضة إلى مستقر لها متخم بالغواية ذلك المستقر وهكذا ومن خلال مقتطفات جزيلة من نماذج قصائد مختارة من المجموعة الشعرية " هاجس الزوال" للشاعر جابر السوداني، نجد أن الشاعر توغل في مفرداته الشعرية وصناعته للقصيدة الشعرية، لتكون أكبر وأرحب فنرحل في عالم شعري، ولا نغادره الا بعد الانتهاء. من اصدرات دار السرد للطباعة والنشر والتوزيع – بغداد- المتنبي لعام 2025 |
المشـاهدات 24 تاريخ الإضافـة 14/09/2025 رقم المحتوى 66636 |

![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |