الثلاثاء 2025/9/16 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 27.95 مئويـة
نيوز بار
إضاءات على مسرح فرحان بلبل ..صراعات حقيقية
إضاءات على مسرح فرحان بلبل ..صراعات حقيقية
مسرح
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

  

 

أنور محمد

 

يذهب مسرح فرحان بلبل (1937 – 2025) نصوصًا وإخراجًا منذ كتب أول مسرحياته "الجدران القرمزية" في عام 1969 إلى التراجيديا. فيعرض صراعات حقيقية، ولكن بطابع فيه شيء من التغريب، وبعقل جدّي عنده جوع إلى الكرامة والعدالة، وليس للطعام والجنس والسلطة. فهو يحتفل بكرامة العقل مهما اختلفت مع أفكاره ومبادئه لأنه ينطلق من نقطة فلسفية هي ألا تصادر حرية الإنسان لأنه بمثابة حامل صيرورة التاريخ.في كتابه "إضاءات على مسرح فرحان بلبل وفرقة المسرح العمالي بحمص" الصادر عن دار كنعان في دمشق عام 2024، يحاول الممثل والمخرج والناقد المسرحي عبد الكريم عمرين النفاذ إلى هذه الحرية، فنراه يقرأ ويتأمل ويبحث عنها في مسرح فرحان بلبل، خصوصًا وأن بلبل يكتب ويؤلف عن ناس/ شخوص يعيشون أفعالًا يومية، أفعالًا مألوفة في منجزهم الشخصي، وهو ما يشد بلبل فيحولها إلى صراعات يستخرج منها أفعالًا خلاقة، يكسرون بها سلاسل الرق والعبودية التي يقيدهم بها المستبد سواء أكان معتقدًا أو ملكًا أو عصابة.الناقد عبد الكريم عمرين قسم كتابه إلى قسمين؛ نظري وتطبيقي. في النظري؛ يكتب عن الشخصية النموذجية في الأدب المسرحي، وعن بناء الدور عند الممثل: البرهان والعرفان في العرض المسرحي - تأملات في الممثل والمتصوف. فيرى أن الشخصية النموذجية في الأدب المسرحي العالمي، ورغم مرور مئات أو آلاف السنين على خلقها كونها شخصية تسعى لتغيير معنى الوجود ولا تهتم بالمعيشي، هي شخصية يمكن عقلنتها ويمكن تأويلها تأويلًا فلسفيًا ونفسيًا وفنيًا، ويعتبر أنه مع موت شكسبير توقف إنتاج الشخصيات النموذجية ليتحول إلى إنتاج شخصيات مسرحية نمطية منها شخصيات الواقعية الاشتراكية التي تعكس فلسفة الماركسيين ووجهة نظرهم الجمالية إلى العالم، كذلك شخصيات مسرح العبث أو اللامعقول، إذ يعتبر أن الشخصيات التي أبدعها صموئيل بيكيت وجان جينيه وآرابال وجورج شحادة شخصيات مسرحية نمطية اتسمت بالعزلة والعجز، والإحساس بالغربة والبؤس واليأس والكآبة، من منظور عبثية الحياة والسوداوية والتشاؤم، كونها شخصيات تحيا بروح منكسرة، وبعقل عاجز مرتاب وشكاك ومسكونة بالقلق والتوتر والتطير، فيما الشخصيات النموذجية في الأدب المسرحي هي شخصيات درامية بطولية ذات منطق قوي ومتماسك ومحكم. وأصدق تعبير عنها وأكثف تصوير درامي لها نجده في المآسي الإغريقية والتراجيديات الشكسبيرية.في القسم التطبيقي يقرأ الناقد والممثل عبد الكريم عمرين "صورة البطل المسرحي في مسرح فرحان بلبل" موضوع دراسته، في أهم عروض فرقة المسرح العمالي بحمص التي أسسها عام 1973 مع أحمد منصور وعبد الكريم عمرين ونجاح سفكوني وبسام شاويش وباسم الخطيب وفطمة ضميراوي وصباح ضميراوي وعبد القادر حبال وعمر قندقجي وربيع الأخرس وأكرم خزام ومحيي الدين الهاشمي ومنصور قندقجي وعاصم مدور. وكان فرحان بلبل قد سمح لاحقًا بانضمام بناته لفرقته المسرحية، وكانت مسرحية "مأساة الحلاج" أول عروضها، واستمرت الفرقة في العمل حتى عام 2011 حيث توقف نشاطها مع بداية الحرب السورية، لتعاوده عام 2016. وقدمت الفرقة عدة عروض داخل وخارج حمص، ومن هذه الأعمال (خارج السرب - الأمهات - المفتش السري) وبلغ عدد أعضاء الفرقة 25 شخصًا؛ منهم 17 ممثلًا وممثلة، والباقي توزعت مهامهم ما بين إداريين وفنيين.يتحدث المؤلف عبد الكريم عمرين في هذا الفصل عن نشوء المسرح في مدينة حمص وتاريخه عبر مراحل ثلاث؛ الأولى مرحلة التأسيس: عبد الهادي الوفائي وقسطنطين داوود الخوري ومحمد خالد الشلبي. المرحلة الثانية: مراد السباعي. المرحلة الثالثة: فرحان بلبل. الذي يحلل له أولى مسرحياته "الجدران القرمزية" التي تنتمي إلى دراما العائلة، كما يرى عمرين، حيث تتصادم فيها الشخصيات المتناقضة في مواقفها الفكرية والوطنية، والتي أخرجها المهندس المصري محمود حمدي عام 1969 وقدمت في حمص على خشبة سينما الزهراء وحضرها على مدى يومين جمهور يقدر بثلاثة آلاف متفرج، والتي تدور أحداثها حول أسرة فلسطينية هاجرت من فلسطين إلى دولة عربية بعد قيام دولة إسرائيل، وبدلًا من أن تنشغل بالنضال من أجل تحرير فلسطين، انشغل واشتغل الأخ الكبير سلمان بالتجارة وبتنمية وزيادة ثروته، فيما الأخ الأصغر خليل الطالب الجامعي ضائع مشتت لا هم له سوى اللهو، وقد اختلف سكان مخيم اللاجئين في حمص في شأنها، وتضاربوا بالأيدي لشدة اختلافهم، بل إن بعضهم رفعوا السلاح في وجه بعضهم الآخر، وكادوا يطلقون النار لكثرة التأويلات، لولا تدخل العقلاء فأخمدوا نار الفتنة، ويعتبر الناقد عمرين هذه المسرحية بأنها تنتمي إلى دراما العائلة، حيث تتصادم فيها الشخصيات المتناقضة في طباعها وسلوكها ومواقفها الفكرية والوطنية.ثم يستعرض الناقد عبد الكريم عمرين مسرحية "الطائر يسجن الغرفة" ومسرحية "العيون ذات الاتساع الضيق" التي كتبها عام 1991. إذ يتقدم فيها فرحان بلبل خطوة إلى الأمام في فهمه لدور المسرح ووظيفته الاجتماعية، في كتابة نص درامي متين البنية وواضح الفكرة وغني بالشخوص، إذ يكشف في العرض كيف تنهش البرجوازية والإقطاعية نفسها من الداخل، وكيف يأكل الكبير الصغير، ويرى المؤلف أن شخصيات المسرحية تستند على الانسجام الداخلي في أقوالها وأفعالها وصراعاتها، وتسير وفق منطق واضح ومبررات مقنعة. ومسرحية "الحفلة دارت في الحارة"، ومسرحية "الممثلون يتراشقون الحجارة" التي يبدأ بها فرحان بلبل الخطوة الأهم في مسيرة حياته ككاتب مسرحي، فهو يترك الساحات ليكون في المسرح الحقيقي الذي يعشق، مسرح المضمون والجمال، ينطلق فيه من الحاضر إلى الماضي الذي أراد أن يرويه بشكل مغاير، فيعبر بلبل عن نفسه كأديب وفنان يريد أن يغير العالم، فيقدم شخصية تاريخية هي عبد المطلب، جد الرسول محمد (ص)، الذي مأساته تكاد تشبه مآسي أبطال شكسبير، لكن خصوصية المأساة ها هنا تكمن في أن كل عربي يدركها ويفقهها ويحبها، لأنها جزء من تكوينه الروحي، فيقدم عبد المطلب كما يجب أن يكون، لا كما قدمتها لنا كتب السيرة.لكن فرحان بلبل في مسرحياته اللاحقة عن الطبقة العاملة يجسد صراعاتها التي هي أكثر ثورية وجبروتًا، ففي نص "يا حاضر يا زمان" وهو الأكثر إيغالًا في الأيديولوجيا، والأكثر حدة وقسوة، والأقل فنيات وزخرفات مسرحية، وهو من حبكة ميلو درامية، يتصدى فيه لموضوع الفساد في حالاته القصوى: القتل والنهب وحرق المستودعات لإخفاء السرقات، والتحول البرجوازي الصغير إلى البرجوازي الطفيلي لنهب البلاد. إذ تميزت مسرحياته العمالية من حيث موضوعاتها وأحداثها وشخوصها فقدم فيها بلبل ثلاثة نماذج للمناضلين العماليين: 1- المناضل الواعي الصلب كسامر ومنصور في مسرحية "العشاق لا يفشلون"، وحسن في مسرحية "يا حاضر يا زمان"، ورشيد ونجوى في مسرحية "لا تنظر من ثقب الباب". 2- النقابي المتخاذل كفواز في مسرحية "العشاق لا يفشلون"، وفؤاد في مسرحية "لا تنظر من ثقب الباب". 3- النقابي المتردد الذي تغيب عنه اليقظة الثورية فيسلك السلوك الخطأ ثم يصحو ضميره ويعود إلى جادة الصواب كأحمد في مسرحية "العشاق لا يفشلون".يبقى فرحان بلبل رجل مسرح بحق؛ مؤلفًا ومخرجًا وناقدًا، وصاحب فضل ويد بيضاء على المسرحين السوري والعربي، وهو أول كاتب مسرحي سوري كتب وأسس دراما العائلة في المسرح، الدراما الاجتماعية كما عند هنريك إبسن.

المشـاهدات 17   تاريخ الإضافـة 15/09/2025   رقم المحتوى 66728
أضف تقييـم