الخميس 2025/10/9 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 30.95 مئويـة
نيوز بار
جبار جودي.. عناد الجمال في زمن القحط
جبار جودي.. عناد الجمال في زمن القحط
فنارات
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب
النـص :

 

 

اشارة تنويرية/شوقي كريم حسن

 

“حين يكون العالم قاسياً، فإن بعض الأرواح تختار أن تواجهه بالجمال، كأنها تقول: ما دام الليل طويلاً، فالفن هو المصباح الأخير الذي يضيء الدروب. إن المسرح والسينما لا يصنعان خبزاً، لكنهما يطعمان الروح خبزاً أزلياً لا ينفد.”

                              (شوقي)

بهذه الرؤية يمكن أن نفهم إصرار الدكتور جبار جودي، نقيب الفنانين العراقيين، على أن يجعل من الفن نافذة يتنفس منها العراقيون وسط الخراب. فالرجل، ومعه كادر النقابة ومن آمن برسالته، لم يستسلموا لشحّ الإمكانات ولا لضعف الدعم المؤسسي، بل جعلوا من المهرجانات الفنية علامة مضيئة في المشهد الثقافي  العراقي، كأنهم يعلنون أن المسرح والسينما هما الذاكرة التي ترفض أن تُمحى. شكّلت تلك المهرجانات، رغم محدودية مواردها، جسراً يعيد الثقة بين الفن العراقي وأشقائه في الوطن العربي، بل ومع الفنون الإنسانية جمعاء. فعلى خشبات بغداد، وعلى شاشاتها المؤقتة، وُلدت لحظات من الفرح والحلم، وأُعيد إحياء لغة مشتركة بين الفنان والمتلقي. إن مجرد انعقاد هذه المهرجانات يُعد انتصاراً صغيراً، لكنه انتصار يبرهن أن العراق لا يزال قادراً على العطاء.ومع ذلك، فإن التحديات ما تزال قاسية. فغياب العروض الجماهيرية في محافظات العراق يضعف من أثر هذه التجارب، ويجعل الفن حبيس العاصمة في حين أن رسالته الحقيقية تحتم ان يصل إلى الناس في كل مدينة وقرية. أما غياب صالات العرض، فهو الجرح الأكبر، إذ لا يمكن لسينما عراقية حقيقية أن تنمو من دون فضاءات تحتضنها، ولا يمكن لمسرح أن يتجذر في الحياة اليومية من دون خشبات متاحة للجمهور، يبقى إصرار (جبار جودي) وكادر النقابة بمثابة مقاومة ثقافية في وجه العتمة. فهم لا ينتظرون الظروف المثالية، بل يصنعون بأيديهم فرصاً جديدة، مؤمنين أن الفن ليس ترفاً بل ضرورة، وأن المجتمعات لا تُبنى بالاقتصاد وحده، بل بالثقافة التي تمنحها روحها وذاكرتها.إن ما يفعله هؤلاء الفنانون اليوم هو غرس بذور في أرض عطشى، قد لا تؤتي ثمارها سريعاً، لكن الأجيال المقبلة تجنيها. وحين تنهض في بغداد والبصرة والموصل وكربلاء وصلاح الدين صالات سينما ومسرح حقيقية، يُذكر أن هناك من صمد، ومن حمى الجذوة من الانطفاء، وأن اسمه كان:( جبار جودي.)إن الحديث عن جهود الدكتور جبار جودي ليس مجاملة، أنما شهادة على واقع يتلمّس خطاه في ظروف عسيرة. فمن يعرف حجم العراق الثقافي والتاريخي يدرك أن ما يُنجز اليوم، مقارنة بالدعم الذي يُقدَّم، هو أقرب إلى معجزة. كيف يمكن أن تُقام مهرجانات مسرحية وسينمائية في بلدٍ يفتقر إلى البنية التحتية اللازمة، وتُستقطب أسماء عربية وعالمية، وتُعاد الحياة إلى قاعات طالها النسيان؟لقد استطاع جبار جودي، بصلابة الموقف ومرونة الرؤية، أن يجعل من النقابة بيتاً جامعاً للفنانين، بعد أن عانت طويلاً من التهميش. وهذا البيت لم يعد يقتصر على الدفاع عن حقوق الفنانين، أنما تحوّل إلى منصة  لإنتاج فعل ثقافي يُحسب له وزنه. ومعه، كان لجهود الكادر النقابي والمتطوعين والفنانين الشباب دور بارز، فهم يواصلون الليل بالنهار، ينسّقون ويخططون وينفذون، بروح من يؤمن أن الفن خلاص جماعي لا يخص فرداً أو نخبة.لكن من الإنصاف القول إن الرهان على المستقبل أكبر من المهرجانات وحدها. العراق بحاجة إلى خطة وطنية تعيد للمسرح والسينما مكانتهما في حياة المجتمع. الحاجة ماسة إلى تأسيس معاهد جديدة، وإلى إعادة فتح مسارح أُغلقت، وإلى بناء صالات عرض حديثة في المحافظات، حتى يصبح الجمهور شريكاً حقيقياً في التجربة، لا مجرد متفرج في مناسبات عابرة.إن إقامة مهرجان مسرحي أو سينمائي، بداية، لكنه لا يكتمل إلا حين يُترجم إلى حركة جماهيرية مستمرة. حين نرى المسرح في المدارس، والسينما في الجامعات، و يصبح حضور عرض فني تقليداً أسبوعياً للعائلة العراقية كما هو الحال في كثير من بلدان العالم، عندها يمكن أن نقول إن المشروع تحقق.ورغم كل المعوقات، يظل (جبار جودي )وكادر النقابة يسيرون بخطى واثقة، يزرعون الأمل في أرضٍ تفتقر إلى الماء. إنهم لا ينتظرون المعجزة، أنما يصنعونها بأيديهم. وما المهرجانات التي أصروا على إقامتها إلا إعلان بأن العراق، رغم جراحه، ما زال قادراً على الحياة، وأن الفن فيه ليس ذكرى ماضٍ ذهبي، بل وعد مستقبل يُبنى بالصبر والمثابرة.إن التاريخ حين يكتب عن هذه المرحلة، لن يذكر  قسوة الظروف، بل يقف عند أسماء آمنت برسالة الفن، ودفعت أثماناً غالية لتبقيه حيّاً. في مقدمة هذه الأسماء يبقى: الدكتور جبار جودي، الرجل الذي اختار أن يقاوم بالضوء.من هنا تأتي الحاجة إلى أن يلتفت الجميع، مؤسسات رسمية وأهلية، إلى هذا الجهد الاستثنائي. المهرجانات التي يقيمها جبار جودي وكادر النقابة ليست ترفاً عابراً، بل مشروع وطني يعيد للعراق صورته الثقافية التي طالما حملها بفخر أمام العالم. إن دعم هذه المبادرات، ولو بالقليل، يمكن أن يحدث فرقاً كبيراً: مسرح جديد، صالة عرض حديثة، أو حتى منحة صغيرة لشباب موهوبين قادرين على صناعة المستقبل.

كما أن على الجمهور العراقي أن يستعيد علاقته بالفن. العروض المسرحية والسينمائية لا تكتمل من دون حضور الناس، ولا معنى لمهرجان إن لم يصبح مساحة لقاء حيّة بين الفنان والجمهور. إن مسؤولية إحياء الفن لا تقع على النقابة وحدها، بل  مسؤولية مجتمع كامل يريد أن يرى نفسه أجمل وأكثر إشراقاً.إن ما يقوم به الدكتور جبار جودي اليوم هو بمثابة رهان على المستقبل، رهان على أن العراق لن يبقى أسير جراحه، بل يعود ليكون منارة ثقافية كما هو دوماً. ومن يتأمل هذا الإصرار يدرك أن البناء بدأ بالفعل، وأن البذور وُضعت في الأرض، وما على الأجيال القادمة إلا أن تسقيها لتزهر.ولذلك، فإن رسالتنا يجب أن تكون واضحة:•إلى الدولة، أن تجعل من الثقافة أولوية لا هامشاً.!!

•       إلى القطاع الخاص، أن يستثمر في الفن كما يستثمر في أي مشروع إنتاجي آخر.!!

•       إلى الجمهور، أن يعود إلى المسرح والسينما، لأن الفن دون متفرجين لا معنى له..!!

هكذا  يمكن أن يكتمل مشروع “السينما العراقية الحقيقية”، و يمكن أن يتحول إصرار جبار جودي من جهد فردي وبطولي، إلى مشروع جماعي يحمل اسم العراق كلّه.وفي النهاية، يكفي أن نردد ما يقوله الفنانون وهم يقفون على خشبة المسرح: “ستار، لكن العرض لم ينتهِ بعد”.!!

المشـاهدات 1014   تاريخ الإضافـة 26/09/2025   رقم المحتوى 66927
أضف تقييـم