الأربعاء 2025/10/15 توقيـت بغداد
+9647731124141    info@addustor.com
سماء صافية
بغداد 28.95 مئويـة
نيوز بار
محمد.. الأخ الوسطاني
محمد.. الأخ الوسطاني
رأي الدستور
أضيف بواسـطة addustor
الكاتب باسم الشيخ
النـص :

الموت حقّ لكنْ له وجع مثل طعن النصل في الروح فيطفيء البهجة ويسكت البوح ويسرق لمعة الحب في العيون ليحيلها دموعاً مرة ، وينبت في القلب لوعة لا يسمع صراخها إلا صاحب الفقد ، فيغيب التوق وتنكسر الطموحات وتخلو الأيام من قهقهات الصحب والأحبة ليبقى فقط صدى يتكسر عند جبال الاشتياق.

لقد جرّبت الفقد بالموت في أمي وأبي رحمهما الله وترك مبضع رحيلهما جراحاً ما زلت أضمدها بالدعاء والصدقات ، تنكؤها بين الحين والحين ذكريات تفرّ من خزانات الوجع الموصدة باقفال اللهو والانشغالات لكني للمرة الأولى أعيش تجربة فقد الأخ ، أول مرّة يسلبني الموت أخاً ، وأي أخ إنه الوسطاني كما يحلو لأمي أن تناديه (محمد) ابن الدلال وفيض المحبة ، والروح النقية ، وبراءة من لم يدع للحياة أن تسرق منه طيبته ، فكنا نحن إخوته نقول له (من أهل الله) وفعلاً هو كذلك ، فإذا حدّثه أحد صدّقه دون تدقيق لأنه لا يفترض بالناس أن تكذب ، وإذا طلبت مساعدته لن يبخل عليك بشيء كافٍ خيره شرّه وهو لا يضمر سوءاً لأحد ، يعيش على البساطة وأحلامه لا تتجاوز أحلام الفقراء.

بخلت عليه الحياة ، لكنه أوجعها بالدعاء والنذور فجادت عليه بهبة الوحيدة المدللة فكانت فرحته عظيمة وهو يسمع الناس تكنيه (بأبو هبة) ليعيش لها ويحضر تخرّجها ويفرح بزواجها ويختم حياته وكأنه اكتفى من الحياة بهذه المهمة.

كان طويلاً حنطياً باشقاً كسيف ونقياً بسيطاً حدّ السذاجة ، أكثرنا نحن إخوته وسامة وأسرعهم شيباً ، وكيف لا وهي العصبية التي تحرق الدم وتجعل الشرايين تنفجر احتجاجاً على ما نفعله نحن البشر بأنفسنا ، لكنه (محمد) الذي لا ينفع معه نصح وتحذير ، يثور لأدنى هفوة ويدخّن بعدها عشر سجائر ، وهكذا تضافر الدخان مع ثوراته وحرق أعصابه على وضع نهاية لقلبه.

لم يكن محمد الوسطاني إلا نسمة عاش بيننا رقيقاً لم يؤذ أحداً ولم يتجاوز على حقوق غيره ، لكنها إرادة الله الذي لا حول ولا قوة إلا به ، وهو الفقد الذي يحزّ نياط القلب ، فلا دواء للشوق إلى اللقاء إلا التأسي برحمة الله سائلين البارئ أن يرحمه برحمته الواسعة.

باسم الشيخ

المشـاهدات 463   تاريخ الإضافـة 29/09/2025   رقم المحتوى 66986
أضف تقييـم